تقارير إعلامية متنوعة ظهرت خلال اليومين الأخيرين تشير إلى أن حديث «سيطرة الصين على كورونا» يبدو «دعائياً» أكثر منه «واقعياً»، فى مقابل ما يخرج عن الصين من تقارير وتصريحات تؤكد أنها تمكنت من السيطرة على زحف المرض وحاصرته، وأن الحالات القليلة التى يعلن عن ظهورها هى لأجانب وليس لصينيين. الواقع يقول إنه مع تفشى الفيروس فى أوروبا ثم الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الاهتمام بالوضع فى الصين يتوارى بعد أن ظلت فى بؤرة الأحداث المتصلة بالفيروس لعدة أسابيع. بعدها بدأت الصين تختفى على خرائط الإعلام حتى برزت من جديد فى تقارير إعلامية تحمل العديد من المفاجآت، فقد بثت قناة «روسيا اليوم» تقريراً يقول إن سكان ووهان يعتقدون أن المتوفين بالفيروس ليسوا بالآلاف كما تشير السلطات الصينية، بل بعشرات الألوف، واتهم أحد الوزراء البريطانيين الصين بعدم تقديم معلومات دقيقة حول طبيعة الفيروس، وهو اتهام تكرر على مستوى مسئولين غربيين متعددين، وبدأت تقارير أخرى تتحدث عن أن نسبة يؤبه لها من المتعافين يعاودهم الفيروس مرة ثانية.
تقارير الإعلام ليست كلها دقيقة كما تعلم، لكنها فى كل الأحوال تحمل إشارات إلى واقع معين قد تراه إحدى وسائل الإعلام بعدسة مقعرة تضخم منه، أو بعدسة محدبة تصغر من شأنه، أو بعدسة مستوية تضعه فى حجمه الطبيعى. وهى فى كل الأحوال تحمل معلومات محشوة بالدعاية (مع أو ضد). ويبدو أن تأثيرات كورونا بدأت تنتقل من دنيا المال والأعمال إلى دنيا السياسة، الأمر الذى يجعل من مسألة التلاعب بالمعلومات والانعطاف بها إلى مسارات الدعاية أمراً وارداً. على سبيل المثال «ترامب» أكد فى أكثر من مناسبة أن زيادة عدد المصابين بكورونا فى الولايات المتحدة الأمريكية مرده الاهتمام بإجراء اختبارات اكتشاف للفيروس لعدد ضخم من المواطنين يومياً، والتصريح يحمل نوعاً من الدعاية للأداء الصحى فى عهد ترامب، كما يحمل تعريضاً بالآخر «الصينى» -فى الأغلب- الذى لا يعتمد سياسة المسح الدقيق للمصابين، بل يتحرك بناء على الأعراض.
الصين من ناحيتها لا تتوقف عن بث الدعاية لنظامها الصحى وإدارتها الناجحة لمسارات انتشار الفيروس الذى ظهر عندها، وتبادر إلى عرض المساعدات على الدول الأوروبية التى ضربها الفيروس، وكذلك على الولايات المتحدة الأمريكية. هذه التحركات لها مغزى سياسى ودعائى يبدو أن الغريم الغربى أراد الرد عليه بدعاية سياسية مضادة ترتدى ثوب «كورونا».
فى بداية ظهوره انصرف الحديث عن فيروس كورونا إلى الأمور الصحية والوقائية وكيفية إنتاج لقاح للتحصين منه أو علاج لمن ابتلاه الله به، لكن بمرور الوقت بدأ الحديث عنه يتشعب فى مسارين: هما المسار الصحى والمسار الاقتصادى، بعدها تشعب فى ثلاثة مسارات، حين أضيف «السياسى» إلى «الصحى» و«الاقتصادى». ستظل «جائحة كورونا» شاهداً على بعض الألعاب الخطرة التى ارتبطت بالنظام العالمى الجديد الذى تكرس عقب تفكك الاتحاد السوفيتى أوائل التسعينات، ونموذجاً على لعبة العدسات التى تضخم أو تحجم أو تنقل بموضوعية الأبعاد المختلفة للحدث الذى هز الأوادم هزة لن يعودوا بعدها كما كانوا قبلها.