تأتى أحداث غريبة مفاجئة مجنونة لا منطقية وغير متصورة ومن شدة خيالها وطرافتها وسقفها اللانهائى فى الارتفاع والتفاقم وإشاعة الذعر والفوضى والقلق والتمنى بأن نكتشف فى وسط دوامتها التى تخطفنا وندور معها بقوة مذهلة أنها وهم ولم تزرنا حتى فى الأحلام.
تأتى وتهاجم بضراوة وإصرار وتجتاحنا محطمة فى طريقها كل مشاريعنا والأجندات والاتفاقيات وتلغى مؤتمراتنا ومعارضنا التجارية والتسويقية وعابرة الحدود والقارات وحجوزات الطائرات والقطارات وتسلم العمل الجديد واختبارات يصعد بعد اجتيازها الأطفال درجة فى عمرهم التعليمى وتاريخ ميلادهم ومواعيد حفلات الزفاف وعقد القران والإعلان عن حب ولد ونجاح طال انتظاره وطفل وصل العالم ولم يجد الاحتفالية المتوقعة لوصوله، وبدلاً منها كان الخوف على حياته ووحدة أم وأب كانا يتمنيان لو شاركهما العالم كله فرحة استقباله واختيار اسمه واكتشاف صاحب الجينات القوية المسيطرة، الذى منحه بعض الملامح ولون العينين والابتسامة الساحرة والبشرة الوردية وأصابع اليد الممشوقة والجبهة المشرقة والأنف الأرستقراطية والنغزة فى وسط الوجنة، وكأنها ابتسامة أخرى. تجتاحنا الأحداث فيقتلنا الشوق لأحضان الحبايب ولمصافحة تتحدث وتحكى وتتدلل وتعبر عما يدور فى النفوس والقلوب والعقول، ونتمنى لو عادت الأيام إلى الوراء قليلاً لنستمتع بالحديث مع الأصدقاء على صوت فيروز ورائحة القهوة تملأ المكان حولنا، ونكمل الونس والحوار أمام لافتات الطريق المضيئة التى تشاغلنا كما لو كانت أحد المعجبين المتيمين الذى يخجل عن البوح فيبحث عن أى طريقة صبيانية للتعبير عما يجيش بقلبه. ونتمنى لو عادت الأيام إلى الوراء لنلتقط ذلك الثوب من فوق العارضة ونسدد سريعاً ثمنه قبل أن تمتد يد أخرى له ونبحث له عن حقيبة وحذاء يشبهان لونه الجديد.
وتهاجمنا الساعات والدقائق وتغلق أمامنا الأبواب ونعيش ليلاً لا ينتهى، وتتغير مشاهدنا المعتادة ويبدو الطريق فارغاً موحشاً مظلماً إلا من نوافذ متناثرة مضيئة على استحياء وكأنها تشكو ألم الفراق والبعاد والانتظار والحنين والخوف من المجهول. ويبقى سؤال لا بد أن يجيب عنه الخبراء العسكريون والاقتصاديون ورجال السياسة وأصحاب الياقات البيضاء ومرتدو القبعات الزرقاء وحاملو الأعلام وهؤلاء الحاصلون على ميداليات الشرف والعزة والفداء وأساتذة الجامعات وأصحاب نوبل وجائزة الدولة التقديرية والتشجيعية وحاملو الكوؤس والميداليات الذهبية والبرونزية والفضية لمعرفة إذا ما كنا سنجمع فى نهاية هذا اللا معقول واللا منطقى شظايا الأوطان التى تمزقت وتحطمت ودمرت مع سبق الإصرار والترصد بعمليات ممنهجة ومرتبة ذات خطط زمنية، وهل سنعيد بناءها وترميم مبانيها وجامعاتها وكنائسها ومساجدها وأسواقها، ونفتح متاحفها بعد أن نسترد ما سرق منها ونهب ونوقف بيعه فى صالات المزادات العالمية، وهل سيغادر اللاجئون خيامهم الهزيلة التى لا تمنع مطراً ولا تقاوم ريحاً ولا تعرف أمناً أو أماناً أو دفئاً أو حماية من قيظ الحر. وهل سيعود الرهائن إلى أحضان الأمهات والأبناء وفراش الزوجات وإلى أعمالهم ليستأنفوا السير فى طريق المستقبل والبحث عن الرزق والاستمتاع بلمة الأهل والأصدقاء ورائحة الياسمين والزعتر.
وهل ستعود عملاتنا إلى سابق عهدها وتقفز وتتقدم فى جدول أسعار العملات اليومى وتنخفض أسعار الذهب والبترول الخام والسلع الاستراتيجية، وتنعم دولنا وأهلنا بأمن غذائى وأمن قومى عربى نحلم به ونغنى له منذ طفولتنا. هل سيتغير الاتجاه؟