"رحلة حياة" مذكرات زقزوق تكشف أحزانه وأفراحه من الشباب إلى الوزارة
الدكتور زقزوق
كتابة المذكرات، فن لم يعهده الأزهريين، فقلما أن ترى مذكرات لأزهري، فدأب الأزهريون التواري عن الأنظار، نظرا للتأثير الشديد لمنهجهم القائم على التصوف العلمي، حيث الزهد في الدنيا والبعد عن الأنظار بقدر الطاقة والتفرغ لغاية واحدة في الدنيا، هي خدمة الدين والإنسانية، لبلوغ الغاية الأسمي والأهم وهي رضا الله والتجلي الإلهي بالمحبة في الدنيا والقرب في الأخرة.
وكان الدكتور محمود حمدي زقزوق، عضو هيئة كيار العلماء، ووزير الأوقاف الأسبق، أحد النوادر الأزهرية في إصداره لمذكراته التي أسماها "رحلة حياة" سجل خلالها رحلة حياته، منذ الطفولة وحتي تاريخ صدور المذكرات قبل 4 سنوات.
وجاءت المذكرات في 5 فصول، خصص الأول منها للحديث عن الأزهر وأسماه "في رحاب الأزهر" تحدث فيها عن التحاقه بالمعهد الديني، وقيام ثورة يوليو عام 1952، وتأييده الشديد لها، كسبيل لإزالة الإحتلال الإنجليزي عن مصر، والذي كان يؤرقه بشدة وجوده في طفولته وشبابه، ووصلت سعادته بالثورة إلى ارساله خطاب تهنئة للرئيس" عبدالناصر" وخطاب آخر لمشيخة الأزهر طالب فيه بالتجاوب مع الثورة وإحداث إصلاحات دينية، وتحدث "زقزوق" عن تطوعه في قوات الحرس الوطني لمقاومة العدوان الثلاثي.
وانتقل عضو كبار العلماء الراحل، للحديث في الفصل الثاني عن دراسته في ألمانيا التي سافر إليها في عام 1962 ورسالة الدكتوراه التي حصل عليها تحت عنوان "الشك المنهجى لدى كل من ديكارت والغزالي"، وكيف أثرت فيه الحياة في ألمانيا وأدهشته، خاصة احترام الجميع للنظام هناك، وتقديس العمل والالتزام.
وخصص "زقزوق" الفصل الثالث من مذكراته للحديث عن حياته العلمية والمهنية بعد عودته من ألمانيا، وعمله مدرسا للفلسفة فى كلية أصول الدين عام 1969، ثم إعارته لليبيا ثم قطر لتدريس الفلسفة الإسلامية في كلية الشريعة، ثم عودته لمصر مرة أخرى، وشكا في هذا الفصل من كيد الكائدين له بكلية أصول الدين وما اشاعوه حوله ليوقفوا نجاحه، والتي وصلت لاتهامهم له قبل انتخابات عمادة الكلية التي قرر خوضها، بتعليق صليب في بيته، لتشويهه أمام أسرة الكلية، ولكن هذه المؤمرات لم تنجح وتم انتخاب الدكتور عام1987 عميدا للكلية ثم تم انتخابه لدورات متتالية، حتي عين وزيرا للأوقاف فى يناير 1996 حتى 30 يناير 2011.
ويتحدث "زقزوق" عن وزارة الأوقاف ومشروعاته التي حلم بتطبيقها خلال وزارته، واسباب قرارته الرئيسية بالوزارة، فقام بضم المساجد الأهلية للوزارة ليصل عددها إلى 182 ألف مسجد، و25 ألف زاوية. واستصدر قانونا يمنع التظاهر فى دور العبادة، وبدأ مشروع الآذان الموحد وإقامة مؤسسة نموذجية للأيتام بمدينة 6 أكتوبر، وبناء المركز الثقافى الإسلامي واستكمال مستشفى الدعاة بمصر الجديدة.
وسعى الدكتور زقزوق لتحقيق حلم كبير لطالما راوده منذ أن سأل نفسه ذات يوم: "لماذا لا يكون لدينا نحن المسلمين دائرة معارف إسلامية؟، وترجمات لمعاني القرآن بدلًا من الشكوي من ترجمة المستشرقين وآرائهم المتجنية كثيرا علي الإسلام وتاريخ المسلمين؟"، فأصدر سلسلة من الموسوعات الإسلامية المتخصصة، والتي ضمت "الموسوعة الإسلامية العامة 2001، الموسوعة القرآنية 2002، موسوعة علوم الحديث الشريف 2003، أعلام الفكر الإسلامي 2004، الحضارة الإسلامية 2005، التشريع الإسلامي 2006، موسوعة الفرق والمذاهب في العالم الإسلامي 2007، موسوعة التصوف الإسلامي 2009، موسوعة الفلسفة الإسلامية، موسوعة العقيدة الإسلامية 2010، موسوعة الأخلاق الإسلامية 2011".
وتحدث "زقزوق" عن انشغاله بقضية "التجديد في الفكر الإسلامي' والذي لا يري فيه بدعة أو خروجا علي تعاليم الدين وثوابته، وإنّما على العكس يجده يصب في مصلحة الدين ذاته.
وهو في ذلك يعكس عقلية متفتحة ترفض الجمود وتؤمن بحركية الفكر الاسلامي بوصفه أحد المبادئ التي أرسي النبي محمد عليه الصلاة والسلام دعائمها عندما وجهنا إلي ضرورة التجديد في قوله: "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"، فالحياة في حركة دائمة ومتجددة. ومن ثم ينبغي على الرافضين للتجديد أن يتفهموا القضية ولا يقفون حجر عثرة أمام التجديد.
وتحدث عن حرصه لدعوة العلماء للنهوض بقضية التجديد في الفكر الاسلامي والنهوض بها، اقتداءا بالإمام الشافعي، فالتجديد في الفكر شيء وثوابت الاسلام شيء آخر، ومن ثم يقترح ضرورة إعادة النظر في فهمنا لعدد من القضايا مثل الخلافة وقضية النسخ في القرآن الكريم ومفهوم الجهاد وغيرها لكي تكون مواكبة لمصلحة الأمة.
وخصّ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، الدكتور زقزوق أمس، بنعي خاص منه قلما يصدره الشيخ، وهو ما يوضح حجم الحزن الأزهري، على الدكتور حمدي زقزوق وجاء في نعي الشيخ: "فقد الأزهر وجامعات العالم كلها عالمًا ومفكرًا إسلاميًّا كبيرًا أثرى المكتبة العلمية بمؤلفاته القيِّمة التي طالما تغذت عليها عقول الباحثين وأقلامهم في الشرق والغرب".
وأضاف الطيب: "ترك مسيرة علمية وعملية سيذكرها التاريخ بكل فخر، بدأها في معهد أزهري ثم جامعة الأزهر وجامعات أوروبا وختمها عضوًا في هيئة كبار العلماء ومفكرًا ملأ الدنيا بفكره وعلمه".
وزاد: "لله وللتاريخ أشهد أنك كنت الإنسان المترفع عن كل الصغائر، والعالم الكبير الشديد التواضع، وجميعُ المناصب العلمية والرسمية التي تقلدتها هي التي سعت إليك، وأُشهد الله أنك لم تسعَ إليها، وكنت مدرسةً في العلم والخلق الرفيع والإنسانية العليا يندر تكرارها في هذا الزمان. فوداعًا أيها الأستاذ الكبير محمود حمدي زقزوق، المفكر الزاهد، والفيلسوف الفقيه، والعالم العابد".