استمعت إلى الفيديو، الذى يعرض فيه الدكتور طارق شوقى لتفاصيل نظم امتحانات الصفوف الدراسية من الثالث الابتدائى وحتى الثالث الإعدادى. أشار الوزير إلى أن التقويم سوف يعتمد على بحث يجريه الطالب بمفرده أو من خلال مجموعة، وأن الوزارة سوف تحدد لكل صف دراسى خمسة موضوعات يختار الطالب موضوعاً من بينها ليجرى البحث حوله، وتغطى محاور البحث «من خلال مجموعة من الأسئلة» الأفرع الدراسية المختلفة التى تغطيها المقررات التعليمية، وبالنسبة للتصحيح فسيتم من خلال الوزارة، بحيث يقوم 3 معلمين فى تخصصات مختلفة بمهمة التقييم ومنح الدرجة.
نعلم جميعاً أن الوزارة لجأت إلى هذا الأسلوب بعد تعليق الدراسة كإجراء احترازى ضد فيروس كورونا، حفظ الله مصرنا من شره، لكن رب ضارة نافعة. فالامتحان بنظام البحث أفضل -فى تقديرى- من نظم الامتحان التقليدى، إذ يعلّم التلميذ مجموعة من المهارات المهمة، مثل مهارة البحث عن المعلومات من بنوك المعرفة وقواعد المعلومات ومحركات البحث وبطون الكتب، ومهارة الربط ما بين المعلومات التى يدرسها الطالب فى المقررات التعليمية المختلفة، والقدرة على الاستنتاج، ويعلمه كيف ينظر نظرة كلية إلى ظواهر الحياة كالمناخ أو انتشار الأوبئة والأمراض والابتكارات البشرية، ويفهم أن لكل ظاهرة أبعاداً اجتماعية واقتصادية ورياضية ولغوية وغير ذلك، والمفترض أن هذا الأسلوب يرتقى أيضاً بقدرة التلميذ على التعبير وصياغة أفكاره بشكل يعكس وعيه التطبيقى بقواعد اللغة.
النظام فى ظاهره قد يبدو «مكلكعاً» بعض الشىء بالنسبة لتلاميذ المدارس، ولكن من المؤكد أن الوزارة سوف تراعى فيما تطرحه من موضوعات بحثية ما يناسب المرحلة العمرية والتكوين المعرفى لكل تلميذ، وقد يقول البعض إن دكاكين تجهيز البحوث وبعض المدرسين سيتولون إعداد هذه البحوث وتسليمها «دليفرى» للتلميذ، وهو كلام سليم وتلك ظاهرة يجب على الوزارة أن تحاربها، لكن يبقى أن محدودية الموضوعات البحثية (5 موضوعات) سوف يكشف أى تكرار أو قص ولصق داخل أى بحث، وهو ما يجب أن يتنبه إليه أولياء الأمور حتى لا يؤثر ذلك على درجات أبنائهم، خصوصاً أن البحث سوف يقيّم من 3 مصححين. وفى كل الأحوال لو كان ثمرة هذا النظام أن يتعلم 20% أو حتى 10% من أبنائنا مهارة البحث، فسوف يفرق ذلك فى مستقبلهم ومستقبل هذا البلد.
اللافت فى الأمر أن وزارة التربية والتعليم تلجأ إلى تطبيق أساليب التقويم التى يتوجب على الجامعات أن تعتمد عليها، فى وقت تلجأ فيه الجامعات إلى الأساليب المدرسية المعتادة فى معالجة تداعيات تعليق الدراسة بسبب فيروس كورونا، فقد نشطت كل الكليات فى رفع المقررات التعليمية على منصات إلكترونية، مشفوعة بالمحاضرات المسجلة أو التفاعلية، تعتمد على برامج تقليدية جاهزة لـ«الشات»، فى وقت كان لزاماً عليها أن تستخلص المنحة من قلب محنة كورونا، فتحيى المفاهيم الحقيقية للتعليم الجامعى والقائمة على البحث فى المراجع، وليس الارتكان إلى كتاب مقرر، وتنمية المهارات الإبداعية والابتكارية للطلاب، ودعم قدرتهم على الاستخلاص والاستنتاج والربط بين المعلومات والنظرة الكلية إلى الظواهر. بصراحة لا أجد غضاضة فى أن تتعلم الجامعات من التجربة الجديدة فى التقويم التى ستبدأ فيها المدارس.