يبدو أنه كُتب لنا أن نشهد النظام العالمى الجديد ونكون من المشاركين فى تشكيله ومن أطرافه الإيجابية التى سيؤخذ برأيها فى قوانينه الجديدة واتفاقياته وتوزيع ثرواته ومسئولياته ومقاعده الدائمة فى مجلس الأمن وجميع المنظمات الدولية. وجدير بالذكر أنه سيختلف كلياً عن ذلك الحلم الذى تحدثت عنه وزيرة خارجية أمريكا السابقة (كوندليزا رايس) وتمنته ورسمته وخططت له وأكدت أنه سيخرج للنور ويصبح حقيقة تفرضها القوى الكبرى على العالم كله وستحصل على موافقة الجميع دون أى نقاش، وستتغير الخرائط الديموجرافية وتتحرك الحدود ويتقلص بعضها وتتمدد أخرى، ووعدت بمنح المياه العذبة لمن لا يستحق ولا يملك، والمعادن والأراضى وجميع الثروات الطبيعية لحلفائها وأصدقائها، وقامت بجولات مكوكية لإقناع الملوك والرؤساء والحكومات والأحزاب والمعارضين والمؤيدين به.
إلا أن الأقدار كان لها مشروع آخر ونظام مختلف وأخفته تماماً عن المنجمين وقارئى الودع وأوراق اللعب وهؤلاء الذين يقومون بعمليات حسابية مستخدمين تواريخ الميلاد وأسماء أصحابها وأبراجهم الخاصة لقراءة المستقبل، والبصارات ومفسرى الأحلام وتركتهم فى نهاية العام الماضى يتحدثون ويتنبأون ويعدون بأيام سعيدة وانتصارات عظيمة واستقرار أمنى وانحسار للإرهاب ورحيل ملوك واكتشافات بترولية واختفاء عدد من نجوم الفن والغناء، وجلوس الأمير تشارلز على العرش البريطانى ونجاحات لا نهائية وبطولات كروية وكؤوس وميداليات، ولم ير أحد من كل هؤلاء الذين يدعون سيطرتهم على العالم الخفى والأحلام والمستقبل أن هناك زائراً ثقيلاً سيحل علينا جميعاً مع مولد العام الجديد وسيلهو بالعالم كباراً وصغاراً وشباباً وكهولاً، أحياء وقرى ومدن صغيرة وعواصم لا تطفأ أنوارها ولا تغلق ملاهيها ومسارحها ومتاحفها ومزاراتها وأسواقها، ومدن صناعية لا يتوقف فيها صوت الماكينات والإنتاج والعربات وحركة العمال والمهندسين والباحثين والمبدعين، وسيمزق تعداد السكان الأخير ويلهو به بتغيرات كوميدية لا تصدق ولا يتوقعها أى من علماء المتواليات العددية، ولم يكتف بذلك بل وصل الأمر للعبث بميزانيات الدفاع والتسليح والتعليم والصحة، فأغلق الجامعات والمدارس واقتحم البنوك ودخل على الحسابات السرية والمجوهرات التى بقيت عشرات السنين داخل خزائنها، والصيدليات والعقاقير النادرة والحديثة والممنوعة من العرض والبيع ومعامل الأبحاث، وأصاب الجميع بنوبة هلع لم يشهدوها من قبل، فأصبح المشهد وكأن مارداً ضخماً ذا ملامح مرعبة أمسك بالكرة الأرضيّة بين يديه ويديرها دورات هستيرية سريعة ليعيد تشكيلها كما يريد.
ويهاجمنا جميعاً هذا الزائر الثقيل ويطيح بخطط السعادة وقصص الحب الرومانسية والأشواق والخطط المستقبلية، ويوقف بناء المنازل الجديدة والمشاريع الكبيرة ويصيب الأمهات بالجنون خوفاً على الصغار ساكنى الأرحام الذين لم يصلوا بعد لدنيانا، ويتمكن بشراسة من أحبائنا فى بلاد الغربة ويسيطر على مشاعرهم ويثقل على عاتقهم ويفقد أوراق عودتهم للوطن صلاحياتها، ويبدو المشهد الموجع أننا عدنا جميعاً لمشاعر طفولتنا نبحث عن الأمن والاختباء من الأشباح الليلية وأيدى الساحرة الشريرة التى تريد القبض علينا واصطحابنا إلى المجهول وإبعادنا عن منازلنا. وكطفل صغير أصابه الهلع أو الألم أو الخوف فجرى لصدر أمه ليختبئ به وجدتنا جميعاً نهرع باحثين عن الملاذ والدواء والأيدى التى تطيب وتدلل والصوت الذى يناجى ويدندن ويتمنى الخير كله ويعطى دون مقابل، فهل هناك بارقة أمل أن يوقف إطلاق الآلام وتعود الابتسامة من جديدة ترتسم على الشفاه؟