سيبقى كل ما لابس 25 يناير عام 2011 وما بعده، ديواناً للعبر، وتذكر العبر يفيد، وكان من هذه العبر أنه بعد أن خطف الإخوان حركة الشباب، اعتباراً من 28 يناير 2011، استغلوا فاجعة استاد بورسعيد، التى راح ضحيتها 74 شهيداً فى مباراة رياضية، لا فى ساحة حربية، ولا تزال بعض أسرارها لم تكشف عن نفسها.. استغلوها لهدم الدولة المصرية، من خلال محاولة هدم سلطاتها السيادية.
كان من اللافت أن ينصب هجوم حاشد على مبنى وزارة الداخلية بالقاهرة، وكان من الحشد والتصميم عليه أنه لم تُفلح آنذاك جميع الجهود التى بُذلت فى وقفه أو رده على الأقل إلى العقل، إلاَّ أن الخروج على كل عقل فى الهجوم على مقر وزارة الداخلية كان مقصوداً، وتجاوز الهجوم إلى اقتحام عنيف لمبنى الضرائب العامة المجاور، لقذف مقر الوزارة من عليه بالطوب والأحجار، ومن المؤسف أن هذه الأعمال الطائشة قد تجاوزت إلى إتلاف ملفات الضرائب!!
على أنه كان اللافت، أن القائمين بهذا الهجوم على مقر وزارة الداخلية، الذى يعنى سقوطه سقوط الدولة المصرية، ليسوا من أهالى الشهداء أو من المصابين، وليسوا من ألتراس الأهلى الذين نفوا مشاركتهم فى هذا الهجوم، وأكد ذلك أنه ثبت أنهم طوال يوم الجمعة كانوا مشغولين بالنادى الأهلى وأمامه فى إقامة سرادق العزاء بشارع صالح سليم بجوار النادى، ثم فى تلقى العزاء فيه إلى ساعة متأخرة من مساء السبت، مما يؤكد بيقين أنهم ليسوا المتجمهرين المهاجمين لمقر وزارة الداخلية الساعين إلى إسقاطها وإسقاط الدولة بأسرها!
هذه الحقيقة طرحت آنذاك سؤالاً لا بد من التوقف عنده، من هؤلاء؟ وما هوية الذين يهاجمون مقر وزارة الداخلية ويسعون فى عمل ضرير لإسقاط الدولة؟ تتواكب معه اتساقاً أو اتفاقاً أو توافقاً، حوادث متتالية من صدام مريب أمام وحول مبنى الإذاعة والتليفزيون فى ماسبيرو، واختطاف 25 صينياً يعملون بمصنع أسمنت للقوات المسلحة فى سيناء، والسطو على بنك فى التجمع الخامس، وآخر فى شرم الشيخ، واختطاف سائحتين أمريكيتين فى جنوب سيناء، واختطاف حفيدى الرئيس السابق لـ«المقاولون العرب»، وهجوم مسلح بالـ«آر بى جى» والصواريخ على قسم شرطة بوسط سيناء، وحرق المجمع العلمى، وحوادث الخطف والاغتصاب والسرقة والقتل التى لم يكد يمر يوم دون أن تروع المصريين وتؤدى إلى فوضى عارمة تخل بدعائم الدولة وتهدّد بسقوطها!!!
هذه الحوادث من المحال أن تُعزى لشباب الثورة الخضراء التى أنجزت إنجازاً رائعاً فى أيام ثلاثة، دون أن تصدر عنها إراقة دماء أو إتلاف أو تدمير أو إهلاك، بينما الانحراف الذى طرأ لا يمت لهذا المنهج السلمى بأى صلة، بل يتردى فى التدمير والتحريق والخطف والسرقة والاغتصاب، ويتربّص بالمنشآت والمرافق العامة، فيهاجم مبنى التليفزيون والإذاعة فى ماسبيرو، وسقوطه يحمل نذر سقوط الدولة، ويهاجم ويحرق المجمع العلمى، بما فيه من ثروات غالية عزيزة على مصر.. والتصميم على الهجوم المتكرر على مقر وزارة الداخلية بصورة تؤكد أن الغرض سقوطه.. وهو ما يؤدى بالحتم والضرورة إلى سقوط وانهيار الدولة المصرية!!
ولعل بعض حسنى النية لم يدركوا آنذاك معنى وأثر سقوط وزارة الداخلية، ولا معنى سقوط وانهيار الدولة.. سقوط وزارة الداخلية معناه انهيار أمن الوطن والمواطن فى بر مصر انهياراً تاماً، ويعنى عدم وجود حماية لعقد جلسات البرلمان، ولا حماية لعقد جلسات المحاكم، ولا وسائل لنقل المتهمين والمساجين من وإلى ساحات المحاكم، ولا إعادتهم هم والمحكوم عليهم إلى السجون، فضلاً عن انفراط عقد السجون التى تؤوى المساجين والمحبوسين احتياطياً، وتحقّق الحماية للوطن من جنوحهم أو من هروبهم إلى داخل المجتمع والعبث به وبمقدراته وأمانه.
وسقوط وزارة الداخلية كان يعنى وضع القوات المسلحة فى مواجهة أمام الشعب فى وضعية غير محمودة. فالأمن لا غناء عنه لأى دولة، وإلاَّ ضاع أمانها وأمان مواطنيها، لذلك فإن سقوط الداخلية الذى استهدفوه يوجب ويضطر القوات المسلحة للحلول محل الشرطة فى مهام غير مؤهلة لها، ولا تملك أدواتها، فضلاً عن محاذير المواجهة وإن شئت الاشتباك بين الشعب وقواته المسلحة الموكل إليها الدفاع عنه وعن أراضيه وليس الاشتباك معه مهما كانت المبررات الأمنية لهذا الاشتباك. وهذه النتائج الوخيمة لا يقبلها ولا يرتضيها مصرى مخلص يحرص على وطنه وسلامته.
وبدا لكل متابع أن هذا الهجوم المصمم عليه على مقر وزارة الداخلية، لا يستند إلى سبب مفهوم أو حجة تبرره.. بل إنه ترك الهدف أو الأهداف الرئيسية التى يجب تكريس الجهود إليها، لغير ما علة تقبلها العقول والأفهام.. فالهدف الأول ينبغى أن يتجه إلى الجناة القتلة الذين ارتكبوا جرائم القتل، ويلحق بهم المحرضون والمساعدون على ارتكاب هذه الجرائم الشنعاء، وكذا رجال الأمن البورسعيدى المسئولون عن تأمين المباراة والجماهير مع إدارة النادى المصرى المنظم للمباراة، باعتبارها تابعة له وعلى أرضه.. وحين تسأل: لماذا ترك هذه الأهداف ولها الأولويات للهجوم على وزارة الداخلية وإسقاطها لا تسمع حجة واحدة منطقية أو ذريعة لها أى مسحة من جد.. فترى من يصب غضبه أو يلقى ذرائعه على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ملقياً عليه بالمسئولية، مطالباً بتغييره، وأعضاؤه ليسوا من رجال السياسة أو الحكم، ولم يكونوا من طالبيه، بل فُرض عليهم الأمر فرضاً فى ظروف ملتبسة كانت تهدّد الدولة بالانهيار بعد انهيار الشرطة ومغادرة رئيس الجمهورية السابق لموقعه، مجبراً بضغط الثورة والثوار، ووجود فراغ لازمته اندلاعات خرج الكثير منها عن إطار الثورة وقيمها وأدائها وأهدافها، فقد دخلت الساحة أطياف لها أجندات ومآرب خاصة بها، وفى مقدمتها جماعة الإخوان، وتفشّت أعمال البلطجة، ووصلت الانفلاتات الأمنية، فضلاً عن السرقة والخطف والاغتصاب والفتنة الطائفية إلى محاصرة مبنى وزارة الدفاع ذاتها!
ورأينا البعض يقترح فى سعيه لإبعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة تولية الرئاسة لرئيس مجلس الشعب، دون أن يدرك أولاً أنه رئيس السلطة التشريعية، ولا يجوز بأى منطق أن يتولى رئاسة السلطة التنفيذية، ممثلة فى رئاسة الدولة، فضلاً عن أن موقع رئاسته لمجلس الشعب مؤقت بطبيعته لا استقرار فيه، لأنه يتغير من دورة إلى أخرى بالمجلس الذى تقضى لائحته بانتخاب الرئيس وهيئة المكتب فى كل دورة، هذا فضلاً عن أن السلطة التشريعية لا تملك ولا رئيسها آليات وأدوات إدارة السلطة التنفيذية التى تختلف اختلافاً بيّناً عن السلطة التشريعية التى تتحصّل مهامها فى التشريع، وفى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية وليس الحلول محلها!!
وقتها خفى على معظم الناس ما استهدفه هذا الجنوح، أو بالأحرى التدبير، حتى بدأت الخطة تكشف نفسها تباعاً حتى، آخذة مصر بأسرها إلى هوة سحيقة.
رأينا القفز على جميع سلطات الدولة، ولم ينجُ موقع الرئاسة من قفزات الإخوان.
وبدا جليّاً أن القضاء المصرى وكذا الصحافة فى مرمى المآرب والأغراض، ورأينا مشروع قانون ضريراً قدّم بليل لهدم السلطة القضائية، ورأينا الضرب الضرير فى المحكمة الدستورية العليا، وإصدار قرارات همايونية لرئيس الإخوان أطلق عليها كذباً أنها إعلانات دستورية بقصد تحصينها وتحصين كبائرها من رقابة القضاء، بل إن ما تضمّنته كان أكبر من الكبائر، وخلاصتها أن مصدرها هو ربنا الأعلى، لا راد لكلمته وقراره، ولا سبيل لمراجعة ما يصدره، إضراراً بمصر والمصريين، وسحقاً لكل قواعد المشروعية والمبادئ الدستورية، وهدم كل مظاهر الدولة الدستورية، لولا انتفاضة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013، وإعلان إرادته فى التغيير، وتلك قصة حفلت بالدلالات والعبر، أقواها قدرة الشعب المصرى على فرض إرادته حين يريد، وقد أراد!