لماذا لا يبقى الناس فى البيوت؟
سؤال ظل ينتشر ويتردد على الألسنة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة، وبالتبعية كانت هناك ملايين الإجابات المختلفة والمتناقضة والساخرة والمستفزة فى أحيان كثيرة.
لكن بعيداً عن الاندفاع فى المطالبة الملزمة والإجبارية للناس بالبقاء فى البيوت، وقد كنت وما زلت واحداً منهم، علينا أن نتدبر قليلاً فى هذا الأمر، لسببين؛ الأول خاص يتعلق بقدرات كل فرد على تحمل نفقة البقاء فى المنزل، وإلى متى تسعفه مدخراته على قضاء أطول فترة ممكنة بعيداً عن عمله ومصدر رزقه ودخله، والثانى عام، وهو لا يقل أهمية عن الأول، لأنه يتعلق بالدولة ككل، اقتصادها ومواردها ومقدراتها، وتسيير أمورها اليومية بشكل يمكّن الناس من البقاء فى البيوت بشكل آمن، وهم آمنون مطمئنون أن مستلزماتهم الضرورية ستكون متاحة، وفى المتناول، وهو أمر لو تعلمون شاق للغاية على الحكومة (أى حكومة).
قبل أسبوع تقريباً، دبَّ خلاف فى بريطانيا بين وزيرين فى الحكومة، الأول وزير الخزانة، والثانى وزير الصحة، يتهم الأول الثانى ضمنياً بأنه متقاعس فى التوسع فى اختبارات Igm واختبارات IgG الكاشفة لوجود أجسام مضادة تعطى انطباعاً أولياً بقدرة الشخص على المناعة أو مقاومة الفيروس.
وزير الخزانة البريطانى يقول إن ألمانيا تسير بخطى متسارعة نحو 100 ألف اختبار يومى، فى حين أن حكومة بلاده (بريطانيا) لم تتجاوز عتبة الـ10 آلاف اختبار يومى، وهذا يعنى أن ألمانيا ستكون لديها القدرة، وفى وقت قياسى، على إعادة تشغيل اقتصادها بسرعة كبيرة، حينما يقرر الأطباء والخبراء المتخصصون قدرة فئات معينة من البشر على مقاومة الفيروس عن طريق اكتسابهم المناعة الكافية.
أنا لا أتحدث عن اختبار الكشف عن الفيروس «Pcr»، فهذا أمر معروف وبديهى للجميع، لكنى أتحدث عن اختبارين للأجسام المضادة للفيروس، التى تمنح الحكومة (أى حكومة) القدرة على معرفة الشريحة القادرة على مواصلة العمل، فى ظل انتشار الوباء، بحيث تحمل هذه الفئة على عاتقها مسئولية العمل والإنتاج لحين الوصول إلى لقاح أو دواء لهذا الفيروس.
الحكومة الألمانية، وبعد فترة قصيرة من الزمن، ستكون لديها بيانات كاملة عن شعبها، وتنتظر فقط إشارة الانطلاق العلمية لدوران العجلة الاقتصادية لديها، فهذان الاختباران سينيران الطريق المظلم الذى نحن نسير فيه، بحيث يمكّن الحكومة من معرفة الأشخاص الذين تولدت فى أجسامهم مضادات للفيروس (مناعة)، وبالتالى بقاء هؤلاء فى المنزل سيكون فى وقت ما لا داعى له.
هذه الفئة، ووفقاً للمعلومات الضئيلة التى أحملها، لأننى غير متخصص، مجموعتان؛ الأولى: هم نصف عدد من جرى اكتشاف إصابتهم بالفيروس وتعافوا، والثانية: هم من أصيبوا بالفيروس ومضت عليهم فترة من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع دون ظهور أعراض ولم يتم اكتشافهم بعد.
نحن بحاجة ماسة لتحديد مسار العودة إلى النشاط الاقتصادى والاجتماعى الطبيعى، لأن أى تأخير فى هذا الصدد سوف يتسبب فى ضرر دائم للبلد (أى بلد)، لأن الإغلاق المستمر للحياة سيعجل بالانهيار السريع، ويجعل ما تم تحقيقه -وهو كثير- كأنه هباء منثور، فضلاً عن أنه من غير المتوقع أن ينحسر الوباء قريباً.
استمرار الوضع الحالى يعنى أن البشرية ستكون كمن هربت من الموت بـ«كورونا»، إلى الموت بسبب نقص الطعام أو بسبب عدم القدرة على علاج أمراض أخرى، ناهيك عن تحول مؤكد حدوثه فى سلوكيات البشر -بالسلب قطعاً- فى فترات الأزمات الخطيرة، وما يتبعها من نتائج قد تكون شديدة الخطورة على أمن وسلامة المجتمع.
أنا لا أدعو للنزول المفرط من المنازل، ولا أدعو للاستهتار بالفيروس، ولا أدعو للتكالب على العودة للحياة الطبيعية، بل أدعو فقط للتفكير فى حل وسط، مبنى على العلم، يعفينا من حالة الإحباط، ويمنحنا مناعة من حالة الاندفاع.
نحن بحاجة لحل وسط علمى يوازن بين حماية الأرواح وحماية الأرزاق.