دينا عبدالفتاح تكتب: فكرتان بينهما ٩٠ عاما!
دينا عبدالفتاح
خلال أزمة الكساد العظيم التى انطلقت فى ١٩٢٩ أراد أبو الاقتصاد الحديث جون ماينارد كينز تعزيز معدلات السيولة فى الاقتصاد، فقام بتوصية الحكومة البريطانية برصد مبالغ كبيرة لضخها فى السوق من أجل الخروج من الأزمة.. وأمرت الحكومة العمال بالحفر فى الصحراء فى مقابل الحصول على المال بسرعة ومقابل مجهود يبذلونه.. حتى يحفظوا لهم إمكانية الحصول على دخل مادى يكفى احتياجاتهم الأساسية العاجلة.. وفى ٢٠٢٠.. زمن الكورونا.. خرج الرئيس عبدالفتاح السيسى ليأمر الحكومة بتسريع وتيرة العمل فى بناء ٢٥٠ ألف وحدة سكنية لقاطنى الأماكن الخطرة.. استغرب الكثيرون من قرار السيسى فى هذا التوقيت.. وتحدث البعض «هل هذا توقيت مناسب لبناء وحدات سكنية؟!».. الشاهد أن ما فعله الرئيس السيسى هو ذاته ما فعله أبو الاقتصاد الحديث فى عصر الأزمة.. الغرض واحد.. تأمين دخول شريحة كبيرة من الأفراد.. ولكن الوسيلة مختلفة.. الأول أمر بالحفر فى الصحراء.. أما الثانى فأمر بالبناء من أجل الفقراء!
عادة ما يكون ظاهر القرار وراءه كواليس لا يعرفها إلا متخذه.. وقد أثبتت الأيام للجميع أن فلسفة الرئيس السيسى والحكومة بقيادة الدكتور مصطفى مدبولى ومن قبله المهندس شريف إسماعيل والبنك المركزى بقيادة طارق عامر فى إدارة ملف الاقتصاد وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى بكل حزم دون قبول للحلول الوسط كانت صائبة ١٠٠٪.. وكانت السبب الرئيسى فى وقوف الاقتصاد على قدميه فى وجه الأزمة الحالية التى اجتاحت العالم دون مقدمات أو تمهيد!
فلولا بناء احتياطى نقدى قوى تخطى ٤٥ مليار دولار لما استطعنا تأمين قدرتنا على الاستيراد لشهور طويلة فى ظل الأزمة.. ولو استمع طارق عامر، محافظ المركزى، لنداء بعض الاقتصاديين الذين طالبوه بالتوقف عن بناء الاحتياطى فى مقابل تخفيض فاتورة الدين الخارجى لكنا فى موقع لا نحسد عليه الآن.. ولانحدر الاحتياطى بشكل سريع إلى معدلات كادت تفقدنا ثقة العالم فى توريد منتجاته إلينا فى وقت الأزمة تخوفاً من عدم قدرتنا على السداد!
«السيسى» والحكومة والبنك المركزى يستحقون الإشادة فكان لديهم بُعد نظر واضح وحقيقى فى تأهيل الاقتصاد للصمود أمام الأزمات، ليس أزمة كورونا فقط، ولكن من قبلها أزمة الأسواق الناشئة التى أربكت العديد من الاقتصادات التى تمر بنفس ظروفنا بينما ظل الاقتصاد المصرى صامداً شامخاً.
هكذا مصر.. التى لم تترك قيادتها شيئاً للصدفة.. فلا مجال للمفاجآت.. عندما يرتبط الأمر بمستقبل أمة.. ومرحلة فاصلة فى تاريخ واحدة من أقدم حضارات الأرض.
وهذا لا يعنى أن السياسات السابقة أبعدتنا عن مرمى نيران الأزمة الحالية.. فالحقيقة تشير إلى أن الأزمة الحالية ستؤثر على العالم أجمع.. ولكن الأمر يرتبط بحسابات القدرة على الصمود فى مواجهة هذا العدوان الذى لا نعلم عنه شيئاً.. كيف جاء؟!.. وما أو من وراءه؟!.. ومتى سينتهى؟!.. ولكننا مؤمنون تماماً بأننا نعيش فى وطن له قيادة صادقة.. وحكومة مجتهدة.. وشعب يقدر التضحية من أجله.. عاشت مصر رغم الأزمات.. رغم التضحيات.. رغم كل شىء!