اشتدت هجمات الفيروس التاجي ضراوة في الفتك بالأرواح والعصف بالعتاد الطبي والضغط على صناع القرار ومع بقاء ثلثي سكان الأرض بالمنازل وتحت قسوة العزل والتباعد الاجتماعي يصبح هذا السؤال ملحا على الجميع. وقد قامت مؤسسات وافراد بالبحث عن إجابة لهذا السؤال الصعب لعل أبرزها
ما قامت به مجلة السياسات الخارجية الامريكية بدعوة اثنى عشر مفكرا عالميا للإجابة عن هذا السؤال وهم جون ألين ، نيكولاس بيرنز ، لوري غاريت ، ريتشارد هاس ، G. جون إكنبييري ، كيشور محبوباني ، شيفشانكار مينون ، روبن نيبليت ، جوزيف س. ناي الابن ، شانون K. أونيل ، كوري :شيك ، ستيفن والت M.
ونشرت خلاصة أفكارهم في العشرين من شهر مارس 2020 والتي جاءت عناوينها بالترتيب كالتالي : عالم أقل انفتاحًا وازدهارًا وحرية- نهاية العولمة كما نعرفها-عولمة أكثر تتمحور حول الصين- سوف تخرج الديمقراطيات من قوقعتها- أرباح أقل ، ولكن المزيد من الاستقرار- هذا الوباء يمكن أن يكون له غرض مفيد - ستحتاج القوة الأمريكية إلى استراتيجية جديدة- سيتم كتابة تاريخ COVID-19 من قبل المنتصرين - مرحلة جديدة مثيرة في الرأسمالية العالمية- المزيد من الدول الفاشلة- لقد فشلت الولايات المتحدة في اختبار القيادة- في كل بلد ، نرى قوة الروح البشرية وهى تحمل كثيرا من التشاؤم وقليلا من التفاؤل ولكنها تجمع على تغيرات كبيرة وعميقة سوف تحدث .
وكانت اخر هذه المحاولات واخطرها مقال هنري كيسنجر والذي نشر ته صحيفة ول ستريت جورنال في الثالث من ابريل 2020 والذي حزر العالم فيه قائلا:
العالم على شفير هاوية، فإما النجاح في إدارة الأزمة، أو الفشل الذي يمكن أن يؤدي الى حرق العالم.: والنجاح برايه يمثل تدشين لقرن أمريكي جديد كالذي عاش سنواته السبعة والتسعين فيه عبر مسارات ثلاثة يستلهمها من تاريخ الولايات المتحدة الامريكية وهي:
1- مسار علمي كمشروع منهاتن. مزيد من العلم لدعم المرونة العالمية تجاه الأمراض المعدية
2- مسار اقتصادي كمشروع مرشال. والسعي لمعالجة جراح الاقتصاد العالمي، لتحجيم تداعيات الفوضى الوشيكة، لا سيما الواقعة على الضعفاء حول العالم.
3- مسار سيأسى وهو الحفاظ على قيم الليبرالية والديمقراطية وهو ما تزرعت به الولايات المتحدة مرارا للتمدد حول العالم وعبر قرن كامل. وهو العمل على حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي، والدفاع عن قيم التنوير لتستمر ديمقراطيات العالم.
، وأخيرا رسم للإدارة الامريكية ما ينبغي القيام به بطرح أسئلة من قبيل ما هي الأشياء التي نسعى لتحقيقها؟ وما هي الأشياء التي نحاول تجنُّبها حتى لو كان يجب محاربتها بشكل شخصي؟ والأجوبة على هذه الأسئلة هي الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأميركي، والتي ينبغي أن تشكّل أساس القرارات الإستراتيجية التي يتخذها أي رئيس". والجديد الوحيد في مقال ثعلب الاستراتيجية الامريكية الأكبر هو ضرورة العمل بين متساوين primus inter pares. وهو ما يعكس الاعتراف بالواقع العالمي الجديد الذي تساوت فيه القوة بين عدة اقطاب. فهل هذا ما سيتغير في عالمنا بعد كورونا؟ ام ان هذه توقعات مبكرة لنتائج حرب لم تهدا أصوات مدافعها بعد.
أولا: أصوات المدافع
1- الفيروس: هدوء على جبهات الشرق وانفجارات قوية في الغرب
• الصين لم تسجل أي حالة وفاة بسبب الفيروس التاجي يوم الثلاثاء 7 أبريل 2020 وهي المرة الأولى منذ أن بدأت نشر أرقام يومية في يناير. وسمحت ووهانا للناس بمغادرة المدينة للمرة الأولى يوم الأربعاء الثامن من ابريل منذ بدء الإغلاق في يناير.
• تجاوزت الولايات المتحدة إيطاليا لتصبح على رأس قائمة الدول في تسجيل عدد الوفيات بسبب فيروس كورونا، وذلك بعد الإعلان عن وفاة 2000 في يوم واحد.
• ترامب يعلن "كارثة كبرى" في جميع الولايات الأمريكية لأول مرة في التاريخ
لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "كارثة كبرى" في جميع الولايات الخمسين. وفق ما نقلته محطة "فوكس نيوز" الأمريكية. وأعلن ترامب عن وضع الكارثة في وايومنغ في 11 أبريل، ووفقا للقناة، فهذا يعني أنه تم الإعلان عن الكارثة في جميع الولايات الخمسين بسبب جائحة عدوى فيروس كورونا COVID-19. وأظهر إحصاء لـ "رويترز" أن حالات الوفاة الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة تجاوزت 20 ألفا يوم السبت، وهي أعلى حصيلة يتم تسجيلها في العالم، رغم أن هناك دلائل على أن الوباء ربما يقترب من ذروته، بعد أن تجاوزت الإصابات نصف مليون في أرجاء البلاد. وتنفرد ولاية نيويورك بـ 160 ألف إصابة بالفيروس.
2– الإجراءات الحكومية
أمام الحكومات قرارات يصعب اتخاذها: متى ينبغي التحرك؟ أي القيود تُرفع؟ وكيف يمكن احتواء الوباء في غياب الإغلاق؟ وكيف نوازن بين إنقاذ الأرواح اليوم والأضرار بعيدة المدى على المجتمع؟
لماذا لا نستطيع رفع الإغلاق مباشرةً؟ لا نستطيع العودة للحياة الطبيعية ببساطة الا بعد وصول العدوى إلى الذروة أو حتى بعد تراجعها إلى مستويات منخفضة جدا.
3– أسلحة الرعب الرقمي
انتشرت في غضون أسابيع من ظهور الفيروس التاجي الجديد COVID-19 في الصين، الشائعات المضللة ونظريات المؤامرة حول العالم حول أصل الفيروس مقترنة بإثارة الخوف والعنصرية والشراء الجماعي لأقنعة الوجه، وكلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنظم الاعلامية الجديدة "info media" تميز القرن الحادي والعشرون بوسائل التواصل الاجتماعي. ومن السمات البارزة لهذه الأزمة تزامن الفيروسات البيولوجية والفيروسات الرقمية: لم ينتشر الفيروس نفسه بسرعة كبيرة فحسب، بل كذلك المعلومات والمعلومات المضللة حول تفشي المرض، وبالتالي الهلع الذي أحدثه بين الجمهور. سافر الذعر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أسرع من انتشار COVID-19..
وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الروبوت التي تنشر القلق والانترنت المظلم
كتب ريان كو في الثاني من ابريل 2020 في الآونة الأخيرة ، التزم Facebook و Reddit و Google و LinkedIn و Microsoft و Twitter و YouTube بإزالة المعلومات الخاطئة المتعلقة بالفيروسات التاجية من منصاتهم.يوصف COVID-19 بأنه أول جائحة كبير في عصر وسائل التواصل الاجتماعي . في الأوقات العصيبة، تساعد وسائل التواصل الاجتماعي على توزيع المعرفة الحيوية للجماهير. لسوء الحظ، يأتي هذا مع معلومات خاطئة لا تعد ولا تحصى، وينتشر معظمها من خلال برامج الروبوت للتواصل الاجتماعي. هذه الحسابات المزيفة شائعة على Twitter وFacebook وInstagram. لديهم هدف واحد: نشر الخوف والأخبار المزيفة. لقد شهدنا ذلك في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 ،وتكرر مع شائعات الحرق العمد في أزمة حرائق الغابات، ونراها مرة أخرى فيما يتعلق بوباء الفيروس التاجي.
الروبوتات المشغولة
من الصعب قياس النطاق الدقيق للمعلومات الخاطئة. ولكن يمكن الشعور بوجودها العالمي من خلال لقطات مشاركة تور بوت في نشاط الهاش تاج المرتبط بـ COVID-19.
Bot Sentinel هو موقع ويب يستخدم التعلم الآلي لتحديد برامج الروبوت المحتملة باستخدام النتيجة والتصنيف. وفقًا للموقع ، في 26 مارس ، كانت حسابات البوت مسؤولة عن 828 تهمًا لـ # فيروس كورونا ، و 544 تعدادًا لـ # COVID19 و 255 تعدادًا لعلامات #Coronavirus خلال 24 ساعة.وقد احتلت علامات التصنيف هذه المواقع الأولى والثالثة والسابعة من جميع علامات التصنيف الأكثر تداولًا على Twitter.من المهم ملاحظة العدد الفعلي لتغريدات الروبوت المتعلقة بالفيروسات التاجية على الأرجح أعلى بكثير ، لأن Bot Sentinel يتعرف فقط على مصطلحات الهاش تاج (مثل #coronavirus) ، ولن يلتقط على "coronavirus" أو "COVID19" أو "Coronavirus" .
كيف يتم إنشاء الروبوتات؟
تتم إدارة برامج التتبُّع عادةً عن طريق برامج تلقائية تسمى "حملات" برامج التتبُّع، ويتم التحكم فيها من قِبل المستخدمين البشر. العملية الفعلية لإنشاء مثل هذه الحملة بسيطة نسبيًا. هناك العديد من مواقع الويب التي تعلم الناس كيفية القيام بذلك لأغراض "التسويق". في اقتصاد القراصنة تحت الأرض على الويب المظلم، هذه الخدمات متاحة للتأجير .في حين أنه من الصعب نسب الروبوتات إلى البشر الذين يسيطرون عليها، فإن الغرض من حملات الروبوت واضح: خلق اضطراب اجتماعي عن طريق نشر المعلومات الخاطئة. وهذا يمكن أن يزيد من القلق العام والإحباط والغضب ضد السلطات في حالات معينة.
كشف تقرير عام 2019 الذي نشره باحثون من معهد أكسفورد للإنترنت عن اتجاه مثير للقلق في "التلاعب بوسائل الإعلام الاجتماعية من قبل الحكومات والأحزاب السياسية". وذكروا:
دليل على حملات التلاعب المنظمة بوسائل التواصل الاجتماعي التي جرت في 70 دولة، ارتفاعًا من 48 دولة في 2018 و28 دولة في 2017. في كل بلد، يوجد حزب سياسي واحد أو وكالة حكومية واحدة على الأقل تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتشكيل المواقف العامة محليًا.
طريقة عمل البوتات
عادة، في سياق رسائل COVID-19، تنشر الروبوتات التضليل من خلال تقنيتين رئيسيتين.
يشمل الأول إنشاء المحتوى، حيث تبدأ الروبوتات مشاركات جديدة بالصور التي تؤكد الاتجاهات العالمية الحالية أو تعكسها. تشمل الأمثلة صور سلال التسوق المليئة بالطعام، أو المكتنزون الذين يفرغون أرفف المتاجر. هذا يولد القلق ويؤكد ما يقرأه الناس من مصادر أخرى.
التقنية الثانية تتضمن زيادة المحتوى. في هذا، تتسرب البوتات على الخلاصات الحكومية الرسمية والمواقع الإخبارية لإثارة الفتنة. يقومون بإعادة تغريد التغريدات المقلقة أو إضافة تعليقات ومعلومات كاذبة في محاولة لإثارة الخوف والغضب بين المستخدمين. من الشائع أن ترى الروبوتات تتحدث عن "حدث محبط"، أو بعض الظلم الاجتماعي الذي يواجهه "أحبائهم".
يوضح المثال أدناه مشاركة Twitter من صفحة تويتر الرسمية في Queensland Health، متبوعة بتعليقات من حسابات باسم "شارون" و "سارة" حددتها كحسابات بوت. سيشعر العديد من المستخدمين الحقيقيين الذين يقرؤون مشاركة سارة بشعور من الظلم نيابة عن "والدتها".
أبل وجوجل تكشفان الوجه الاخر
أبل وغوغل بقلب معركة كورونا.. تعاون غير مسبوق من أجل نظام لمكافحة الوباء
أعلنت شركتا "أبل" و"غوغل" الأميركيتان، الجمعة، عن تعاون لإطلاق برمجة تطبيقات API، تعمل على تتبع احتكاك الأفراد مع فيروس كورونا المستجد. وقالت صحيفة "غارديان" البريطانية إن شركتي التكنولوجيا ستعملان على تطوير تطبيق جديد لتتبع انتشار "كوقيد 19" في مختلف دول العالم، يعمل على هواتف "أندرويد" و"آيفون".
وأضافت أن التطبيق سيعتمد على تكنولوجيا البلوتوث لتحديد المسافات الفاصلة بين هواتف المستخدمين في أي مكان.وفسرت ذلك بالقول: "سيتمكن التطبيق من تتبع تحركات كل مستخدم ومعرفة أماكن تواجده والأشخاص الذين كانوا قريبين منه".وتابعت: "في حال أصيب ذلك الشخص بفيروس كورونا المستجد، فإن التطبيق سيعمل على تنبيه كل الأشخاص الذين جاورهم المريض، لحثهم على عزل أنفسهم أو إجراء الاختبارات الضرورية".
ثانيا: الخسائر الأولية:
1- الامن
كتبت جين بالوما في الثاني من ابريل 2020في مجلة just security المتخصصة في الشئون الأمنية والاستراتيجية قائلة "لطالما اعتبر الأمن السيبراني ، وتصنيع الأسلحة ، والذكاء الاصطناعي أمرًا بالغ الأهمية للأمن القومي. ، في عالم ما بعد COVID-19، قد تصبح شركات الأدوية الحيوية أكثر تكاملاً مع سلامة أمتنا".
وفى السابع من ابريل وفى نفس المجلة كتبت اونانا هيثوى قائلة " يجب أن نوسع عدسة الأمن القومي للتفكير في جميع التهديدات العالمية الخطيرة للحياة البشرية. يجب أن يكون الإرهاب جزءًا من المعادلة، ولكن يجب النظر إليه بجانب التهديدات الأخرى الأكثر إلحاحًا على الأرواح الأمريكية، بما في ذلك الأوبئة والتهديدات الأخرى للصحة العامة وتغير المناخ. يجب أن يستند تقييم التهديدات إلى تقييمات علمية للتهديدات العالمية الحقيقية التي تتطلب حلولاً عالمية جادة. هذا ما يجب أن يعنيه "الأمن القومي" في عالم ما بعد COVID-19المصدرhttps://www..org/
وعلى خلفية تفشي وباء الفيروس التاجي (كورونا)، دعا ميخائيل غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السوفيتي السابق، جميع الدول إلى أن تلتزم بتخفيض ميزانياتها العسكرية بنسبة 10- 15 % .ورأى غورباتشوف في مقالة نشرت في مجلة "تايم" الأمريكية، أن وباء الفيروس التاجي العالمي أظهر بوضوح ضرورة إعادة توجيه الأموال من الأهداف العسكرية لضمان الأمن البشري.وشدد الزعيم السوفيتي السابق على ضرورة وضع الأمن البشري في المقام الأول، وقبل كل شيء، توفير الغذاء والمياه وحماية البيئة وإعطاء الأولوية التامة لصحة الإنسان.ولفت إلى ضرورة تغيير مفهوم الأمن بشكل جذري، والذي لا يزال حتى الآن ينحصر بشكل رئيس في الجانب العسكري.وأكد غورباتشوف في هذا الشأن أن "كل الجهود سيكون مآلها الفشل، إذا استمرت الحكومات في إلقاء الأموال الهائلة في مرجل سباق التسلح. وتتضح اليوم بشكل خاص، ضرورة إعادة توزيع الأموال، وإعادة توجيهها من الأهداف العسكرية إلى الأهداف المتعلقة بالأمن البشري". المصدر:16.04.2020R T
2– الاقتصاد
تضرر الاقتصاد العالمي على ثلاث مستويات هي:
قاعدة الهرم الاقتصادي: فقد أعلنت الأمم المتحدة اليوم الثلاثاء 07/04/2020أن فيروس كورونا المستجد يهدد معيشة نحو 1,25 مليار عامل، محذّرة من "أسوأ أزمة عالمية" منذ الحرب العالمية الثانية.وفي دراسة جديدة حذّرت منظّمة العمل الدولية من أن تفشي فيروس كورونا المستجد والتدابير الصارمة المفروضة لاحتواء الوباء، ستخفّض في الفصل الثاني من العام 2020 ساعات العمل عالميا بنسبة 6,7 بالمئة.وأشارت المنظمة الأممية الى أن هذه النسبة توازي 195 مليون عامل بدوام كامل.
جسم الهرم الاقتصادي : حيث يتوقع أن يتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 3 في المئة هذا العام، مع انكماش اقتصاديات البلدان في أنحاء العالم بأسرع وتيرة منذ عقود، بحسب ما يقوله صندوق النقد الدولي.وحذر الصندوق من أن هذا الوضع قد يصبح الأسوأ منذ "الكساد الكبير" في الثلاثينيات من القرن الماضي.وقال إن وباء كورونا أدى إلى دخول العالم في "أزمة لا مثيل لها".وأضاف أن الانتشار المستمر للوباء سيختبر قدرة الحكومات والبنوك المركزية على السيطرة على الأزمة.وقالت كبيرة الاقتصاديين في الصندوق، غيتا غوبيناث، إن الأزمة قد تقلص إجمالي الناتج المحلي العالمي بحوالي 9 تريليونات دولار، خلال العامين المقبلين.
قمة الهرم الاقتصادي: حيث توجد مشكلة أكبر زادت من حدتها تداعيات الازمة وهي:
كما يرى الخبير الاقتصادي كريستوفر ديمبيك في عمود في صحيفة لوموند الفرنسية والذي نشر في السادس من ابريل 2020 نحن نعيش "الانتقال من اقتصاد السوق الرأسمالي إلى اقتصاد البنك المركزي"أن ضخ السيولة الضخمة من البنوك المركزية - التي تحرر نفسها من مهمتها في الحفاظ على استقرار الأسعار - جعلها الحكام الرئيسيين لسوق الديون السيادية. ففي 24 مارس، قام البنك المركزي الأوروبي (ECB) بإجراء يعتبر جزء من برنامج شراء الطوارئ الوبائية الذي يحشد 750 مليار يورو حتى نهاية العام، وأعلن 15 بنكًا مركزيًا آخر في جميع أنحاء العالم عن إجراءات مماثلة في غضون شهر. وهكذا تشير أزمة الفيروس التاجي إلى الانتقال من اقتصاد السوق الرأسمالي إلى الاقتصاد الذي تديره البنوك المركزية. في أقل من عشر سنوات، حرروا أنفسهم من مهمتهم في الحفاظ على استقرار الأسعار، الموروثة من الثمانينيات، واستبدلوا السوق على المدى الطويل، وبالتالي أصبحوا صناع السوق، وهذا يعني - لنقول صانعي الأسعار.
هذا التطور واضح بشكل خاص في الجزء الاستراتيجي للغاية من الديون السيادية في البلدان المتقدمة. وفقًا للبيانات الصادرة عن بنك التسويات الدولية، تمتلك البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال، حوالي 80٪ من الديون السيادية الألمانية وحوالي 70٪ من الديون السيادية الفرنسية. ومن المتوقع أن تزداد هذه النسب في السنوات القادمة بسبب الزيادة في برامج إعادة شراء الأصول. بينما تحدثنا قبل بضع سنوات عن عملية تطبيع السياسة النقدية، يبدو أن صدمة الفيروس التاجي تشير بوضوح إلى أنه لن يكون من الممكن الخروج من المعدلات المنخفضة والتسهيلات الكمية في السنوات القادمة. يتحدث الأنجلو سكسون عن "QE اللانهاية" لإثارة هذا الاحتمال.
-وقد عززت الازمة هذا التوجه حيث أطلقت الحكومات والبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم العنان لتحفيز مالي ونقدي غير مسبوق وغير ذلك من أشكال الدعم للاقتصادات التي تعصف بها جائحة الفيروس التاجي. وقالت مجموعة العشرين في 26 مارس إنها ستضخ أكثر من 5 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي للحد من خسائر الوظائف والدخل و "تفعل كل ما يلزم" لمعالجة هذا الوباء. لندن (رويترز)
2– المؤسسات
كشف فيروس كورونا ضعف المؤسسات الدولية والإقليمية والمؤسسات الوطنية بشكل غير مسبوق ولو اخذنا الأمم المتحدة كأكبر منظمة دولية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الان، سنجد اخبارها في زمن كورونا على النحو التالي: رئيس مجلس الأمن عالق في الكاريبي ونفي شائعات عن اجتياح بعض أجزاء مقر المنظمة من قِبل الجرذان. حيث تعيش الأمم المتحدة شهراً استثنائيا في نيسان/ابريل وغير مسبوق في تاريخها بعدما علق رئيسها الدوري في الكاريبي، وبعد حصول تسريبات كبيرة خلال جلسة مغلقة للسفراء، واجتماعات عبر دائرة الفيديو المغلقة، في مدينة تفشى فيها وباء كوفيد-19 بقوة.
وحتى المنظمة الدولية المتخصصة وأعنى منظمة الصحة العالمية دخلت في سجال سياسيي بلسان رئيسها مع الرئيس الأمريكي الذي هدد بتقليص تمويل المنظمة فقد نقلت (CNN) يوم التاسع من ابريل 2020 جدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء، هجومه على منظمة الصحة العالمية، بعد أن طالبه مدير المنظمة، تيدروس غيبريسوس، بعدم "تسييس فيروس" كورونا (كوفيد-19). وفى الخامس عشر من ابريل 2020 أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الثلاثاء، أنه أمر بتعليق المساهمة المالية التي تقدمها الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية، بسبب "سوء إدارة" المنظمة، التابعة للأمم المتحدة، لأزمة تفشي فيروس كورونا المستجد.
وإذا ما نظرنا الى المؤسسات الدولية الأخرى والمؤسسات الإقليمية الأخرى والمؤسسات الوطنية فلم نسمع لها صوتا او نرى لها فعلا يذكر. وكان اغلاق المؤسسات الدينية والعلمية وعجز الأخيرة عن تقديم علاج للوباء جعلها موضع شك عميق. وكما ذكر كيسنجر في مقاله السابق الإشارة اليه انه بعد وقف الجائحة أو عكسها، وتاليا الخلاص منها صحيا، ساعتها ستتمّ مساءلة الأيقونات المؤسساتية، والنظريات الأيديولوجية التي حكمت العالم منذ الحرب العالمية الثانية حتى الساعة.
3– القيم (نعى العولمة الغربية)
كتب بقلم مي أوبا الأستاذ بجامعة طوكيو للعلوم لمجلة دبلوماتك لأسيا والباسفيك في الثامن عشر من مارس متسائلا عن الفيروس التاجي ومستقبل العولمة قائلا: أن الاتجاه نحو تعزيز الحدود الوطنية كان واضحًا بالفعل في عدد من البلدان. كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود الشعبوية مصحوبًا بمشاعر معادية للأجانب في العديد من البلدان الأوروبية، وسياسة أمريكا اولا لإدارة ترامب مدفوعة بشعور بالتفاوت المتزايد والعبء المتزايد على شرائح معينة من السكان من التقدم في العولمة.
لقد تلقى النظام الدولي الليبرالي بالفعل بعض الضربات الجسدية، وأصبحت الحدود الوطنية الجسدية والنفسية أكثر صرامة من ذي قبل. حتى في آسيا، يزداد الضغط الداخلي، مع تزايد القومية التي تؤكد على تفوق الغالبية العرقية والدينية لبلد معين، كما يتضح من القمع المتزايد للأويغور والأقليات الأخرى ومحاولات منع التدفق الحر للمعلومات في الصين أو في صعود القومية الهندوسية في الهند. هذه الاتجاهات - حدود أقل مرونة وتزايد القومية - انضمت إليها الآن إغلاق الحدود بشكل كامل بسبب انتشار الفيروس التاجي. قد تكون النتيجة تحركًا نحو عالم مغلق أكثر، عالم تحد فيه الحدود الوطنية من نطاق النشاط الاجتماعي.
ويتمثل التحدي في اتخاذ النظام الدولي الليبرالي في اتجاه صحي من خلال تنظيم وتخفيف أعباء العولمة. والواقع أن هذا سيتطلب تعاوناً دولياً أقوى. لقد خلق تهديد الفيروس التاجي وضعًا استثنائيًا، ولكن بمجرد أن نتعافى، من المهم أن ننشئ آليات للاستجابة للمرض من خلال التعاون الدولي الفعال، دون الوقوع ضحية للمركزية العرقية قصيرة النظر في عملية العودة مرة أخرى إلى طبيعتها. في الوقت نفسه، سنحتاج إلى العمل من أجل القضاء على مشاكل مثل التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي تسببها العولمة. فشلنا في ذلك، وقد نرى البلدان تتجه نحو الداخل بشكل متزايد مع عقلية القومية الضيقة.
خطوط النار / خطوط القوة / دوائر النفوذ
في مؤتمر يالطا ، والمعروف أيضا باسم مؤتمر القرم و التي أطلق عليها اسم ل مؤتمر الأرجون ، والذي عقد 04-11 فبراير 1945، و الحرب العالمية الثانية تلفظ أنفاسها الأخيرة وحضر الاجتماع رؤساء الحكومات في الولايات المتحدة فرانكلين روزفلت ، و المملكة المتحدة رئيس الوزراء ونستون تشرشل ، و الاتحاد السوفياتي رئيس الوزراء جوزيف ستالين . وبحلول وقت مؤتمر يالطا، كانت القوات المسلحة لحلفاء الغرب قد حررت كل من فرنسا وبلجيكا وكانت تقاتل على الحدود الغربية لألمانيا. في الشرق، كانت القوات السوفيتية على بعد 65 كم (40 ميل) من برلين، بعد أن طردت الألمان من بولندا ، رومانيا ، و بلغاريا . لم يعد هناك سؤال عن الهزيمة الألمانية. كانت القضية هي الشكل الجديد لأوروبا ما بعد الحرب. والذي جاء رغم كل المساومات والمناورات والتهديدات متطابقة مع خطوط النار ومتفقة مع حدود القوة ومجددة لدوائر النفود.
ومشاهد حرب كورونا تكشف بوضوح عن قوة شرقية كبرى تتمدد) الصين) وقوة غربية كبرى تنكمش (الويات المتحدة الامريكية) قوة تتحفز (روسيا) وقوى تترقب (الهند – كوريا الجنوبية – اليابان) وقوى تنسحب (الاتحاد الأوربي) وقوى تتمرد (البرازيل والمكسيك وكندا) وبقية دول العالم تنتظر. وإذا دققنا في الخسائر سنجد ان الجميع خاسرون وهو ما يعنى ان النظام العالمي القائم قبل كورونا هو المهزوم الأكبر في هذه المعركة ويبدوا انه هو من سيتحمل كل تبعات هذه الهزيمة المنكرة.