لا يمكن لبلد أن يكون به حرية ولا ديمقراطية دون أن يكون به أولاً دولة القانون.
وتأتى أفكار ونظريات الفليسوف الألمانى إيمانويل كانت كأساس لتعريف مفهوم دولة القانون، حينما قال: «يستند الدستور لدولة ما على قيم مواطنيها التى تستند -أى الدولة- بدورها على صلاح هذا الدستور».
وبهذا المفهوم أيضاً فإن الدولة، والدولة وحدها، لها حق احتكار الاستخدام المشروع للقوة، ولكن فى ظل القواعد التى نظمها القانون.
ويتعين على دولة القانون أن تتسم بالشفافية، ويشترط تقديم تبريرات منطقية لجميع أفعال الدولة حتى لا يتم تحويل دولة القانون إلى دولة السيطرة أو الاستبداد باسم القانون.
من هنا تأتى أهمية ما يدور الآن فى الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور المصرى الجديد؛ لأنها صياغة للعقد التوافقى بين أطياف الأمة فى ظل قواعد دولة القانون.
ويصبح الخطر الأكبر الداهم على هذه اللجنة أو أى لجنة صياغة دستور فى أى زمان أو مكان هى أن تقع فى أى من تلك المحاذير:
1- أن تعتقد أن الدستور تعبير عن القوى التى انتصرت مؤخراً فى أى مستوى من مستويات الانتخابات السياسية.
2- الدستور توافقى وليس تعبيراً عن أغلبية عددية.
3- أن تعتقد جماعة سياسية أو دينية أو مذهبية أو طبقة أو تيار أو قبيلة أو تجمع مناطقى أن الدستور يجب أن يعبر عنها وحدها دون سواها.
4- أن تحاول مؤسسة من مؤسسات الدولة السياسية أو الاجتماعية أو الأمنية أو العسكرية إعطاء وضع خاص لنفسها.
5- ألا يؤمن جميع الأطراف أن الدستور هو اتفاق تعاقدى توافقى بين جميع أطياف الأمة يعلو على أفكار ومصالح الجميع ولا يُعلى عليه.
هذه المحاذير هى رصاصات الرحمة التى يمكن أن تغتال حلم الدولة القانونية أو دولة القانون، ويخطئ من يعتقد أنه من الممكن صناعة دستور استبدادى مغلف برداء ديمقراطى وشعارات تبدو للوهلة الأولى أنها مشروع مستنسخ من الدساتير الديمقراطية.
قد يصلح الغش التجارى فى الغذاء أو الدواء أو مساحيق التجميل، لكنه لا يصلح فى كتابة النصوص النهائية للدساتير!
ويخطئ من يعتقد أن الناس لا تقرأ، وإذا قرأت فهى لا تفهم، وأنه من الممكن تمرير عبارة هنا أو فقرة هناك تكون بمثابة «عصا موسى» التى إذا ما تم استدعاؤها فى لحظة ما تقوم بالتهام الجميع!
وعلّمنا التاريخ، وهو خير معلم، أنه لا قيمة لأى نص قانونى أو مبدأ أخلاقى أو نظرية سياسية إذا كان المطلوب الالتزام بنصها فحسب؛ فهناك دائماً نص القانون وروحه الوثابة الفاهمة والداعمة للمقصد الذى أتى به المشرع.
قيمة الدستور ليست فى صف عبارات ونصوص ومبادئ يمكن الالتفاف حولها أو إيجاد الثغرات القانونية فيها، ولكن فى الإيمان بها وحمايتها إلى حد تقديم الروح دفاعاً عنها.