«ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».. فى مقالى الأخير فى هذا المكان كتبتُ تحت عنوان «إنسانية هنا وانحطاط هناك!!» عن نماذج مضيئة وأخرى مظلمة فى التعامل مع أزمة فيروس «كورونا»، ثم بدا لى أن نماذج الإحياء والإنسانية والبذل والنبل التى يقدمها المصريون ما زالت تتوالى دون توقف.
إنها نماذج متعددة مضيئة تؤكد أصالة المصريين الذين أظهرت جائحة كورونا إنسانيتهم الكامنة، وفطرتهم السليمة، وتوحدهم فى وجه البلوى، ووقوفهم موقفاً يسجله التاريخ، وكان لفيروس كورونا فضل واحد هو إظهار أن النزعة الإنسانية لم تتلاشَ بين الناس.
وفائدة ذكر هذه النماذج أنها تُعد خطوة على طريق استعادة الثقة فى الشخصية المصرية، وتجديد معالمها، ورصد مكوناتها الأصلية من خلال وقائع مشاهدة ملموسة، تمتلئ بالهمة والإيثار والعطف والتلطف والثبات النفسى وغير ذلك من المواقف والأخلاق النابعة من ضمير المصرى وتدينه وحبه لوطنه ومجتمعه.
- فى موكب الإحياء والإنسانية نذكر رجلين كريمين، أحدهما من الأقصر والآخر من الشرقية، تبرعا بتغسيل موتى «كورونا»، وهذا موقف عظيم، لأن الناس يفرون من المتوفى بالفيروس كفرارهم من يوم الزحف، إلا أن هذين البطلين أظهرا معدناً إنسانياً مصرياً قلما يجود به آخرون.
- فى موكب الإحياء يأتى مسجد عمر بن عبدالعزيز، أحد أكبر المساجد ببنى سويف، حيث أعلنت إدارته عن توفير عدد 24 مقبرة، وسيارة «نقل موتى» تحت تصرف مديرية الصحة، وهذا الذى فعلوه هو فتح للمسجد المغلق، لا فتح أبوابه بالمخالفة لفتوى الأزهر والهيئات الصحية، وإنما فتح مقاصده وأهدافه.
- فى موكب الإحياء والإنسانية وجدنا ثلاث فتيات: سهام خليفة، وثريا سامى، وإسراء عبدالصبور، نماذج تفتخر بهنَّ محافظة سوهاج ومصر كلها، الثلاث يعملن فى مركز القلب بسوهاج، وقررن التطوع للعمل فى أحد مستشفيات العزل، رغبة منهن فى مساعدة مرضى «كورونا» من منطلق دينى إنسانى أخلاقى.
- فى موكب الإحياء والإنسانية وجدنا موقفاً إنسانياً عظيماً من زوجين يعملان بأحد مستشفيات العزل هما: الدكتورة رحاب عبدالفتاح وزوجها الدكتور محمد، حيث رفضا مغادرة مستشفى العزل حتى خروج كل المصابين، وتركا ابنهما الوحيد الطفل «أسامة» مع جدته لرعايته، وأما جدته فترعى الطفل على أكمل وجه، مما يبعث بالطمأنينة للأبوين، إنه نموذج لأسرة مصرية يسجل أفرادها موقفاً فى التاريخ بحروف من ذهب، وليفخر الطفل «أسامة محمد» بوالديه وبجدته.
- فى موكب الإحياء والإنسانية نذكر الدور الذى قام به عدد من رجال الأعمال، ومن ذلك مؤسسة محمد أبوالعينين الخيرية، التى تبرعت بـ150 ألف شنطة مواد غذائية، فضلاً عن تبرع صاحبها بأكثر من سبعين مليون جنيه لمواجهة آثار أزمة «كورونا»، وهذا مثال ذكرناه ليكون نموذجاً لغيره، وهناك أمثلة كثيرة مشابهة.
- فى موكب الإحياء والإنسانية ذكرنا لاعب كرة القدم سعد سمير وفكرته الناجحة «تحدى الخير»، واليوم نضيف لاعب الكرة المشهور محمد صلاح، الذى تبرع بأطنان من المواد الغذائية للمحتاجين من قريته وغيرهم، مما يسد حاجة العوز لديهم.
- فى موكب الإحياء والإنسانية نذكر الطبيب المصرى القبطى الدكتور مينا نبيل، الذى يعمل بالحجر الصحى فى أسوان، حيث استغل صوته الجميل فى الابتهالات الدينية، لإشاعة جو من الروحانيات والمتعة، مما خفف عن المرضى والموجودين فى الحجر، فى لمسة روحانية إنسانية جميلة.
ويتوالى المصريون فى الانضمام لموكب الإحياء، مما يدلك على أن الشخصية المصرية فريدة وشغوفة بعمل الخير ونفع الناس، واجتياز الصعاب، والتنافس فى الخير، ولا يقلل من ذلك وجود مواقف سلبية تستغل الأزمة.