أخطأت الحكومة حين قررت تخفيض ساعات القيد على حركة المواطنين ساعة كاملة من أول الشهر الكريم، وجعلت الحرية الكاملة للتنقل طوال شهر رمضان حتى التاسعة مساءً بدلاً من الثامنة، كما كان مقرراً على مدار الأسابيع الماضية، مع تزايد وارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا.
فى أوقات الأزمات والمحن، خصوصاً مع تفشى الأمراض والأوبئة، لا يوجد فى سجلات تسيير شئون الحياة، ما يُسمى بالتوازنات، أو التخفيف عن الناس، لتوفير أوقات ملائمة، تتيح لهم تحركاً أكثر مرونة، وتلبية حاجات ترفيهية، أو إتاحة ما يُمكن أن يخفف عنهم من ضغوط الوباء وتداعياته.
الواقع والتاريخ والجغرافيا وكل شىء، يقول إن الحزم فى التعامل مع الظروف والأحوال الطارئة، هو الوسيلة الأفضل، والطريق الأنجع لإقناع الناس، ولإلزامهم بالإجراءات والتدابير الوقائية الواجب اتباعها، للوقاية من مخاطر الوباء، ولتقليل حجم انتشار الفيروس بين الناس، فى تجمعاتهم البشرية.
وكما فى كل بلاد العالم ثقافات محددة، لدينا فى بلدنا الطيب ما نطلق عليه «سلو بلدنا»، والمقصود هنا ثقافتنا وما تعودنا عليه من وسائل وأساليب فى الحياة والتفكير فى شئوننا، وما نواجهه من أحداث ومتغيرات، ومن لا يفهم «سلو بلدنا» يعانى من قصور شديد فى أدوات التحليل، وقواعد وأساليب التعامل.
الحقيقة لا أعرف مَن صاحب قرار زيادة حرية الحركة لمدة ساعة كاملة بحجة متطلبات الشهر الفضيل، لكن ما أعرفه وأفهمه أن مثل هذا القرار لم يضع فى اعتباره «سلو بلدنا» ومن أبرزه البحث عن المبررات والتفسيرات لتبرير مخالفة هنا، أو خطأ هناك، وهو ما حصل فعلاً فى شوارع مصر، من استمرار الحركة على الطرقات العامة، لما بعد التاسعة، والوجود البشرى المكثف فى مناطق عديدة، تحت مزاعم ومقولات من عينة «كل سنة وانت طيب يا بيه» و«ربنا ما يقطعش لك عادة» و«العيال كانوا عند ستهم».
فى تصريح منسوب للسيد وزير النقل كامل الوزير أن مليوناً و300 ألف مواطن، استخدموا الخطوط الثلاثة للمترو يوم الأحد الماضى، بعد أن كانت أعدادهم 300 ألف و500 ألف، يومى الجمعة والسبت السابقين على التوالى.
تخيل عدد مستخدمى المترو مع ضعف نسبة من يرتدون الكمامات، وتخيل كم عدد ركاب كل قاطرة، وكيف يتنفسون، وما مصادر التهوية، والمسافات بين كل شخص والآخر، وعشرات الأسئلة التى تجتاح عقلك بحثاً عن إجابة، لماذا تقرر إضافة ساعة جديدة، وعلى أى أساس تم اتخاذ القرار، وما الدراسات التى استند عليها القرار؟ أم أن الأمر اقتصر على مقولتنا الشهيرة، «كل سنة وانت طيب»، أو «فكها على الناس شوية»؟
الأمر هنا لا يرتبط بحريات عامة، أو حقوق ومكتسبات، أو توازنات قوى، أو معادلات سياسية، حتى نرهن الأمر برغبة فى ترضية الناس، إنما هو يرتبط ومن دون مبالغة بمصير أمة، ومستقبل شعب، يجب عدم التهاون فيه، خصوصاً أن كل تجارب العالم أوضحت مدى الخسائر الفادحة التى نتجت عن الاستهتار أو التهاون، ليس فقط فى البشر وهو العنصر الأهم، وإنما أيضاً فى اقتصاديات لدول، ستعانى انهياراً لسنوات طويلة، ومنها ألمانيا مثلاً التى تتحدث عن 50 عاماً مقبلة.
لا يعنى كل ذلك فرض الحظر الشامل، أو التضييق أكثر على الناس، إنما يعنى وبالضرورة والأهمية أن ترتبط القرارات والإجراءات بالاحتياجات الحقيقية، وليس بالمجاملات السياسية، أو الرهان على أداء جماعى من الناس، فالجموع لا تحركها القواعد، وإنما المشاعر والاحتياجات المباشرة، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات السير فى الطرقات العامة، وكثافة التجمعات البشرية فى الشوارع، وفى المواصلات العامة والخاصة على السواء.
الشاهد أن معدلات الإصابة بالفيروس تزايدت فى الأسبوع الأخير، ما يعنى أن معدلات انتشار الفيروس أو الوباء، إن شئنا الدقة، اتسعت عما كانت عليه من قبل، وبدأت معدلات الوفاة فى التصاعد لأعلى، وبلغت مستويات مزعجة، صحيح أننا وفقاً للمعدلات العالمية، ووفقاً لعدد السكان وخلافه من القواعد، ما زلنا فى مرحلة وسط، والحمد لله ما زالت الأمور خاضعة للمتابعة؟
لكن كل ذلك لا ينفى أن معدلات الزيادة فى الإصابة تمت بالتزامن مع قرار تقليل ساعات تقييد الحركة فى التنقل، ولا أريد القول ومع «التباسط» فى التعامل مع التجمعات البشرية فى العديد من المناطق.
نحتاج وفوراً لإعادة النظر فى الأمر، وزيادة ساعات تقييد الحركة، والتعامل بحزم مع التجمعات والكثافة البشرية فى المواصلات العامة.. وهذه مسئولية الحكومة والشعب معاً.