فى كل حوادث الإرهاب، وآخرها حادث بئر العبد الإجرامى، يختلف الناس حول مسئولية جماعة الإخوان عن هذا العنف والإرهاب الأسود. المتعاطفون مع الإخوان ينفون أى مسئولية للجماعة!! وآخرون يتحدثون عن علاقة مباشرة بين حوادث الإرهاب وجماعة الإخوان تحديداً.
والحقيقة أن معرفة القاتل ليست من شأن الباحث أو أى أحد خلا النيابة، لكن يظل حدود الباحث أو الكاتب تدور حول منابع العمل الإرهابى وجذور التطرف، والمقولات والأفكار غير المخدومة ولا المؤصلة التى دخلت عقل المتطرف، والخيط الناظم والمنجم الفكرى الذى يخرج من عباءته المتطرف والقاتل، والمصادر التى نظَّرت لهذه الأفكار، وأنتجت خطاباً حماسياً صادماً مدمراً.
مهم جداً معرفة المنجم الفكرى المتمثل فى الكتب والخطب والمنشورات والفضائيات وغيرها من الوسائل التى حولت المتدين إلى متحمس، ثم إلى متطرف، ثم إلى تكفيرى، ثم إلى قاتل يحمل السلاح، مع أن المتدين الحقيقى رحمة وسعة وسماحة لكل المجتمع حوله، على أن البعض وقف أمره عند التطرف اللفظى، والبعض الآخر وصل أمره إلى التكفير، والبعض وصل إلى التفجير، وهناك من مرَّ بالمراحل كاملة.
وأول منجم ومصدر نجده عند حسن البنا الذى ذكر فى رسالة المؤتمر الخامس أن الحكم من الأصول لا من الفروع، خلافاً لما عليه جمهور المسلمين، ثم كتابات سيد قطب منظِّر الإخوان وتابعيه «فتحى يكن» و«رفاعى سرور»، حيث توغل منهج «قطب» فى محاضن الإخوان التربوية، ومن أفكار قطب خرج «عبدالسلام فرج» بكتاب «الفريضة الغائبة» فأنشأ «تنظيم الجهاد»، ومن نفس الأفكار خرج «شكرى مصطفى» فى وثيقة «الخلافة» فأنشأ «التكفير والهجرة»، ومن نفس المنبع خرج «صالح سرية» فى «رسالة الإيمان» فأنشأ «الفنية العسكرية»، ثم تولدت ونبعت جماعات، مثل القاعدة وداعش من نفس هذه الأفكار، ويرجى الاطلاع على مذكرات طلال الأنصارى، المتهم الثانى فى قضية الفنية العسكرية- حيث تناول علاقة الإخوان بهذه الجماعات.
أيضاً فإن أبومحمد العدنانى السورى الرجل الثانى فى تنظيم داعش، كتب عنه «تركى البنعلى» مفتى تنظيم داعش، والمشرعن لجرائم القتل فى كتابه: «اللفظ اللسانى فى ترجمة العدنانى»، كتب يقول إن «العدنانى» تربى وترعرع على فكر سيد قطب فى كتاب «الظلال».
أيضاً فإن «أبومصعب السورى» تلقى العلم عن أستاذه «مروان حديد»، قائد تنظيم الطليعة المقاتلة بسوريا، وهو التنظيم المسلح التابع لجماعة الإخوان، والذى انطلق منه «أبومصعب السورى» للعمل الجهادى الإرهابى، وقال عن شعار الإخوان «وأعدُّوا»، إنه استراتيجية ردع الأعداء من المرتدين والعملاء واستهداف أماكن الوجود الاقتصادى والأمنى والعسكرى، وأثنى على الجهاد الفردى وإرهاب الخلايا.
و«مروان حديد» شيخ «أبومصعب» من كبار الإخوان، وهو جهادى سورى قال عن نفسه: «اطلعتُ على رسائل حسن البنا فتحولتُ من العماية إلى الهدى، ومن الضلال إلى الرشاد، ومن الجندية للباطل إلى الجندية للحق»، ثم انخرط فى صفوف الإخوان مع «سعيد حوى»، والتقى «بسيد قطب» وإخوان مصر. أيضاً تؤمن جماعة الإخوان بأن الجيش المصرى خائن لا وطنى، وانقلابى لا شرعى، وقتل الساجدين، وهتك الأعراض، وعزل الرئيس الإسلامى، وقضى على الإسلام، وهذه المعتقدات يأتون عليها زوراً باستدلالات دينية، ومن هنا وجدنا الشرارة التى ينطلق منها القاتل لسفك دماء جنودنا الأبرار.
إن هذا التقارب الفكرى، بل التطابق فى بعض المسائل يجعلنا يؤكد أن الاختلاف بين الإخوان وتنظيمات العنف هو اختلاف فى الوسائل والمنهج الحركى وفى كيفية اختيار الوقت المناسب فى التعبير عن الأفكار، لكن المنجم واحد، والمنهج واحد والنظريات والمقولات الرئيسية المحركة للجميع واحدة.