لم تشهد الدراما المصرية والعربية منذ سنوات تلك الحالة غير المسبوقة من النجاح لعمل مثلما حدث مع مسلسل «الاختيار»، ورغم محاولات البعض للنيل من المسلسل بنقده والتشكيك فى أحداثه لتشتيت المشاهدين وصرف انتباههم عن الحالة الوطنية التى أحدثها العمل، إلا أن كل هذه التصرفات «المدفوعة» لم تستطع الوقوف أمام نجاح المسلسل وانتشاره وتأثيره الكبير بالشارع المصرى.. وهو ما يعتبر بنفس لغة التيارات الإسلامية والجماعات الأصولية «غزوة» جديدة تحقق فيها نصر مبين، أولاً على طيور الظلام وأفكارهم، وثانياً على مدعى الوطنية والخلايا النائمة بيننا الذين كشف المسلسل هويتهم، وبنفس طريقة تفكيرهم ولغتهم دعونا نتحدث عن الأسباب التى جعلتنا نفوز فى غزوة «الاختيار».. هذا النموذج المثالى فى عالم صناعة الدراما الذى خاض حرباً فكرية مع كل الأصوليين والمتشددين قبل أن يكون مجرد عمل درامى.
أولاً.. المشاهد المصرى سريع التأثر بالشخصيات الدرامية ودائماً ما يبحث عن نموذج إيجابى يتعلق به ويؤمن بقناعته ويتبنى وجهات نظره وهو ما تكرر خلال فترات طويلة كانت الدراما المصرية تشكل وعى أجيال عديدة، وأخيراً وجد المشاهد المصرى ضالته فى شخصية الشهيد «المنسى» ابن الطبقة المتوسطة الذى ضحى بحياته من أجل قناعته فى الدفاع عن تراب مصر وسيناء، وهو النموذج الذى أحدث ضجة بالشارع المصرى وصنع حالة لم نشاهدها منذ عرض مسلسل رأفت الهجان.
ثانياً.. الإنتاج الضخم وتوافر جميع العناصر الإنتاجية وهو ما يحسب للشركة المنتجة وتامر مرسى رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة، وجميع أجهزة الدولة التى وفرت كل هذه الإمكانيات ليخرج هذا العمل بكل هذا الإبهار البصرى والتقنى ليجذب لمحتواه فئات جديدة من الجمهور كانوا قد امتنعوا عن مشاهدة الدراما المصرية منذ سنوات واستبدلوها بالدراما الأجنبية، بينما شباب الطبقات البسيطة وسكان المناطق الشعبية كانوا لا يهتمون سوى بمتابعة دراما العنف والبلطجة وهو ما نجحت المتحدة فى إبعاده عن الشاشة.
ثالثاً.. فريق عمل المسلسل بالكامل بداية من مؤلفه باهر دويدار ومخرجه بيتر ميمى وأبطاله أمير كرارة وأحمد العوضى وضيوف الشرف جميعاً كانوا على قدر المسئولية، وتحملوا صعوبة تنفيذ عمل بهذه الأهمية فى ظروف صعبة بالإضافة إلى الحرب النفسية والتهديدات التى تعرض لها أبطال العمل وصناعه على حساباتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى من قبل بعض العناصر الإرهابية والمتطرفة فى محاولة منهم لترهيب صناع العمل.
رابعاً.. احتواء العمل على وقائع وقصص حقيقية كنا جميعاً شهوداً عليها وعلى وقوعها وهو ما زاد من مصداقية العمل ونجاحه، بالإضافة إلى اعتماد العمل على طريقة مزج المادة الوثائقية بالدراما ليقدم للمشاهد الحقيقة كاملة وللتأكيد على صدق كل معلومة جاءت بالعمل.
خامساً.. للمرة الأولى تسمح فيها الشئون المعنوية والقوات المسلحة بظهور الضباط والعساكر دون وجود أى تحفظات تضعف العمل، فمن كان يصدق أن نشاهد على الشاشة عملاً يتناول انحراف ضباط قوات مسلحة سابقين وانتمائهم لجماعات تكفيرية وإرهابية وهى المنطقة التى ظلت لسنوات محظورة وغير مسموح بالاقتراب منها أو حتى مناقشتها.. بالإضافة للموافقة على تصوير مشاهد استهداف ضباطنا وجنودنا على يد الجماعات التكفيرية وهى المشاهد التى جعلت كل بيت مصرى مستعداً لأن يرسل أبناءه لسيناء ليكونوا بجوار أبنائهم من الجيش المصرى فى حربه ضد الإرهاب.
سابعاً.. الهجوم العنيف الذى تعرض له المسلسل من جماعة الإخوان المسلمين من قبل قنواتها المأجورة والممولة من قطر وتركيا ومن خلال خلاياهم النائمة على شبكات التواصل الاجتماعى لخوفهم من صناعة أسطورة وطنية جديدة يلتف حولها الشباب وتهدم عقيدة السمع والطاعة والمظلومية التى عاشت عليها الجماعة والتيارات المتشددة عقوداً طويلة، واستخدموها لفترات فى تجنيد الشباب وغسل عقولهم، وهو ما سيُهدم بتقديم نماذج وطنية ضحت بحياتها فى سبيل تراب هذا الوطن وليس فى سبيل كرسى الخلافة أو حتى ابتغاء رضاء المرشد أو أمير التنظيم.