١- لم تكن الفترة التى قضيتها داخل المتجر فى العاصمة النمساوية «فيينا» طويلة.. فقط الوقت الكافى لأبتاع «ولاعة» جديدة بدلاً من التى صادروها فى مطار القاهرة بحجة أنها من الممنوعات على ظهر الطائرات.
«ينبغى أن أتوقف عن هذه العادة اللعينة»، تركت حقيبتى على باب المتجر.. وحين خرجت.. وجدت شرطياً يقف بجوارها وهو يتحدث بالألمانية الخشنة لزميل له فى هذا الجهاز الذى يحمله.. علامات الخطورة على وجهه لا يمكنك أن تخطئها!!.. يبدو أنهم يشتبهون فى حقيبتى المسكينة!
نظرة مريبة طويلة كانت.. وسؤال إن كانت الحقيبة تخصنى بلغة إنجليزية ركيكة.. وحين أجبته بـ«نعم»، طلب الاطلاع على جواز السفر.. ثم ابتسم وقال: مرحباً بك فى فيينا.. ولكن حذار، أنت لست فى مصر الآن!!
الغريب فى الأمر أنه ابتسم.. والأغرب أننى أحسست بالرهبة من ابتسامته!
حين تذكرت هذه الواقعة، أدركت كيف تم تفجير مديرية أمن القاهرة!
الدرس المستفاد: يمكنك أن تكون صارماً حذراً وتؤدى عملك بمهارة وأنت تبتسم!!
٢- اندفع الجندى الذى يحمل سلاحاً آلياً إلى داخل استقبال المستشفى الجامعى، وأخذ يصيح إلى الأطباء والممرضين بهستيرية شديدة.. كله يدخل جوا! جوا فين؟ ما احنا جوا فعلا!
كان حافى القدمين.. آه والله!! تتصاعد من ملابسه رائحة الغاز المسيل للدموع!.. بلطجياً كان أكثر منه جندياً نظامياً!!
استوقفته لأسأله عن سبب دخوله المستشفى:
- مالكش دعوة واوعى من وشى لاضربك بالنار!
- انت إزاى بتتكلم معايا كده؟ مين يابنى الظابط بتاعك؟
- أنا ماليش ظباط النهارده.. هما قالوا لنا انتوا مش معاكم ظباط!! وفيه حد رمى على القسم مولوتوف من سطح المستشفى هنا وهنجيبه.. اوعى من وشى!
(حوار حقيقى فى يوم فض اعتصام رابعة)..
فيما بعد سنعرف أن لجنة تقصى الحقائق التى شُكلت لبحث أحداث فض الاعتصام صرحت بأنها لم تطلع على خطة وزارة الداخلية للفض ولكنها «استنتجتها»!!
مساكين.. كان يمكنهم سؤال هذا الجندى!
الدرس المستفاد: حين تجد جندياً «حافياً» يمسك سلاحاً معداً للإطلاق فى استقبال مستشفاك!! ينبغى أن تستنتج أن خطة وزارة الداخلية لفض الاعتصام كانت تقتضى هذا!!
3- ارتفع الصوت المميز لسرينة الإسعاف.. وضج المارة بأبواق السيارات التى بدأت فى عزف سيمفونيات من الإزعاج!!
الكل يعرف أن الهدف من سرينة الإسعاف أن تفسح الطريق.. ولكن كيف؟ الطريق مغلق وطابور السيارات طويل..
لا، ليس حادثاً هو ما أغلق الطريق بهذه الصورة الخانقة..
لقد قرر السادة الظباط أنه من غير المأمون أن تسير السيارات أمام مديرية الأمن الواقعة فى شارع الكورنيش -أكبر وأهم شارع فى مدينتنا الصغيرة- فقرروا إغلاق الشارع من الأساس!
عادة ما تكون الحلول الأسهل مهدئة للأعصاب!!
لقد قرر السادة أعضاء الجهاز المسئول عن تأمين المواطنين.. إنهم لا يريدون بذل مجهود لتأمين أنفسهم.. فقرروا أن يضعوا حلاً جذرياً لهذا الموضوع..
الشارع الذى يحوى منشأة شرطية لا داعى لاستعماله من قبل الشعب -اللى هو إحنا- حتى لو كان هذا الشارع هو الأكبر والأهم فى المدينة!.. ويمكن للمواطنين استبداله بالشوارع الجانبية.. حتى لو تحولت هذه الشوارع إلى «مراجيح مولد النبى».. لأنه ولدواعٍ أمنية أيضاً لا يوجد شرطى مرور واحد ينظم حركة السيارات بهذه الشوارع.. يعنى باختصار: مع نفسك!
الدرس المستفاد: لم تخلق الشوارع ليمشى بها عامة الشعب!!
4- أين ظباط المرور؟
- بيحاربوا الإرهاب مش فاضيين!!
5- الحرب على الإرهاب لم ولن تتوقف منذ قرون وفى كل دول العالم.. ومع هذا هناك دول يستطيع مواطنوها أن يسيروا فى شوارعها بحُرّية.. ويفسحون الطريق لسيارات الإسعاف.. بل أكثر من هذا.. يتظاهرون كما يحلو لهم!!
كيف يفعلون هذا؟!
إن فلسفة وجود الأجهزة الأمنية هى أن تشعر -كمواطن- بالأمان.. دون أن تشعر بوجود من يحقق ويحفظ لك هذا الأمان.. لماذا لا يدرك ضباطنا هذه الحقيقة!
لقد احتملنا غياب الشرطة عن الشارع لمدة تزيد على العامين عقب الثورة بسبب «سوء الحالة النفسية للظباط».. . بحسب ما صرح به وزيرهم آنذاك.. ولكن لماذا يصرون على أن نتمنى لو لم يعودوا!
أعلم وأدرك جيداً أن بلادى قد أنجبت العديد من الضباط المخلصين والمحترمين.. وأعرف منهم البعض..
ولكن عدم الاعتراف بأن حرفية وزارة الداخلية ومفهومها عن تحقيق الأمن للمواطن «بعافية حبتين» هو ما يجعلنا ندور فى الدائرة المفرغة نفسها!
يمكنك -بقليل من الحرفية- أن تفرض هيبة الدولة وتحقق الأمن والاستقرار دون أن تحتاج إلى إراقة الدماء، أو قهر الحريات.. إن الذين خرج ضدهم من خرج فى يناير منذ ثلاثة أعوام يصرون على أن يكرروا ما حدث ولكن بطريقة أكثر دموية.. ربنا يوفقهم!!