منذ أيام قليلة أعلنت السلطات الفرنسية إعادة فتح البلاد بشكل جزئى مرة أخرى بعد إغلاق استمر لأكثر من أربعين يوماً.. لتنضم فرنسا لقائمة الدول التى قررت العودة للحياة مجدداً بشروط احترازية مشددة.
القرار ذاته سبقتها إليه ألمانيا والنمسا.. بينما تستعد معظم الدول الأوروبية لتطبيقه على فترات متباينة خلال الأيام القادمة.
لقد قرر العالم أن يعود تدريجياً بعد أن أدرك أن الكوارث الاقتصادية التى ترتبت على الإغلاق الكامل لا يمكن لأحد أن يتحملها.. فالعالم الذى تحول عبر السنوات الأخيرة إلى قرية صغيرة لن يتحمل أن يتحول إلى جزر منعزلة بهذا الشكل..!
المأساة أن الخطر ما زال قائماً لم ينجُ منه أحد بعد.. فمريض واحد بمقدوره أن ينقل العدوى لقارة كاملة.. حتى الأردن الذى أعلن لتسعة أيام متتالية خلوه من أى حالة جديدة قد سجل فى يوم واحد ثلاثين حالة.. كلهم قد أصيبوا من شخص واحد تسرب داخل البلاد منذ أيام..!
لم يعد هناك شك أن استعدادك الشخصى للمواجهة وتفهمك لطبيعة المعركة هو خط الدفاع الأول.. وربما هو الأوحد..!
الدولة -أى دولة وكل دولة- لا تملك شيئاً سوى أن تبلغك أن هناك وباء.. ثم تتوقف عن فعل أى شىء..!
فى القرون الوسطى حين اجتاح الطاعون أوروبا.. لم تفعل الدولة للناس شيئاً سوى أنها أبلغتهم بالأمر.. البعض اقتنع وهرب إلى الريف.. والبعض الآخر أنكر وبقى فى المدينة.. ولم ينجُ منهما إلا الذى فهم أنه يحتاج الزحام فى المقام الأول.. فابتعد عنه وخلق لنفسه مساحته الشخصية..!
هى معركة الوعى قبل أن تكون معركة الطب.. معركة شعوب لا معركة دول.
الحظر وتقييد التحرك بقوانين وضعية لن تجعلك فى مأمن.. أنت وحدك الذى يمكنك فعل ذلك إن قررت أن تغير من عاداتك الاجتماعية..!
الدولة لن تتمكن من الاستمرار فى الإغلاق الكامل.. والنظام الصحى مهما بلغت سعته سيتشبع فى لحظة ما.. الفارق بين نظام منخفض السعة مثل مصر، ونظام صحى عريق مثل إنجلترا، هو الوقت وحده..!
الحل ليس معقداً.. فالعزل الذاتى ثقافة ينبغى أن نستوعبها جيداً.. بل ونعلمها لمن حولنا..!
الدول التى بدأت فى إعادة الفتح مرة أخرى.. لم تمتلك يوماً ما يعرف بـ«مستشفى عزل».. كل المستشفيات بها عنابر للعزل.. وكل هذه الدول طبقت العزل المنزلى لمن لا يحمل أعراضاً من اليوم الأول.. بل إن إنجلترا تحديداً عممت تحذيراً شديد اللهجة ألا تتصل بالمستشفى إلا إذا كنت تحتاج إلى مستشفى!! ولهذا قواعد معلنة وواضحة..!
الطب نفسه يضع «التكلفة» فى معيار القياس عند أخذ قرار بعلاج ما.. فمريض سرطان البروستاتا لا يجرى جراحة استئصال جذرى إذا تخطى عمره ٧٥ عاماً.. لأن فرصة أن يبقى المريض على قيد الحياة لمدة ١٠ سنوات بعد الجراحة «المكلفة»، قليلة للغاية!
أعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على دولة مثل مصر.. فالشعب يمكنه أن يخوض المعركة وينتصر.. فقط إن أدرك ما ينبغى عليه فعله.
ستعود الحياة مجدداً ولكن بشكل مغاير عما ألفناه.. ستعود بشكل مفكك ومتباعد، حياة حذرة غريبة.. البعض يتنبأ باختفاء المصافحة فى الشكل الجديد للحياة الاجتماعية.. ستختفى بالفعل ومعها العناق والقبلات التى يتبادلها الأصدقاء.. ستصبح ذكرى حميمة نحكى عنها لأولادنا..!.
لا تجزعوا.. احموا كبار السن.. احذروا التجمعات غير الضرورية.. دعوه يبحث عنكم فلا يجدكم.. كل هذا دون أن تتوقفوا عن الحياة..! فهذا وحده كفيل أن يقتلك قبل أن يصل إليك الوباء!