كينيا.. عشرون عاماً من التحول الديموقراطى
تعد التجربة الكينية نموذجاً للتحول الديموقراطى التدريجى والذى استغرق قرابة عشرين عاماً. فبعد ضغوط خارجية من الدول المانحة وضغوط داخلية من المعارضة، بدأت المرحلة الأولى من ذلك التحول فى 1991 بإتاحة التعددية الحزبية وإنهاء نظام الحزب الأوحد. وبدأت المرحلة الثانية فى 2000 عندما تم الاتفاق على إعداد دستور جديد للبلاد. غير أن ذلك الأمر تأخر كثيراً ومر بفترات من الركود، وبعد رفض المواطنين الكينيين لمسودة الدستور المقدمة 2005 ومرور البلاد بفترات اضطراب فى 2007 على خلفية انتخابات الرئاسة ووجود اتهامات بالتلاعب فى النتائج، تم إعداد مسودة جديدة للدستور وتمت الموافقة الشعبية عليها فى 2010.
1991 البداية..
جاءت البداية بتغيير قواعد اللعبة السياسية فى كينيا فى 1991، عبر تمرير قانون من البرلمان يقتضى إلغاء نظام الحزب الأوحد فى الدستور والسماح بإقامة تعددية حزبية وإجراء انتخابات تنافسية، وذلك بعد تعرض الرئيس الكينى (آراب موى) لضغوط شديدة من الخارج بالإضافة إلى التهديد بقطع المساعدات الاقتصادية وتصاعد المطالبات الداخلية بالإصلاح السياسى، حيث تمت فى 1992 أول انتخابات تعددية وفاز بها الحزب الحاكم (الاتحاد الوطنى الأفريقى الكينى) وفاز بالرئاسة الرئيس آراب موى، الأمر الذى تكرر مرة أخرى فى عام 1997. وقد جاء استمرار فوز موى وحزبه الحاكم بسبب ضعف المعارضة الكينية وتشتتها خلف العديد من المرشحين، وأيضاً بسبب وجود شكوك فى نزاهة الانتخابات. ويمكن رؤية تجربتى 92 و97 باعتبارهما تمهيداً لظهور قيادات جديدة فى البلاد وبداية لقواعد التعددية السياسية.
2000 - 2005 المرحلة الثانية..
وفى عام 2000 تم تشكيل لجنة لمراجعة الدستور، شكلها الرئيس آراب موى، وتضمنت جميع أعضاء البرلمان بالإضافة إلى 42 شخصية حزبية، 3 مندوبين عن كل مقاطعة، و125 ممثلاً عن الجماعات الدينية والمرأة والشباب والاتحادات التجارية والمنظمات غير الحكومية، وقامت بعقد جلسات استماع للمواطنين، لكن الأمر امتد بسبب الخلافات السياسية الشديدة وعدم الاتفاق داخل اللجنة بين مختلف الأطراف وبالتالى لم يتم التوصل إلى أى تقدم بخصوص الإصلاحات الدستورية لكينيا ودخل الدستور الجديد فى فترة من الركود. وفى 2002 تم انتخاب زعيم المعارضة كيباكى خلفاً للرئيس موى الذى أعلن سابقاً أنه سيلتزم بالتنحى عن الرئاسة فى 2002 ولن يحاول تمديد حكمه. كان من أحد أهم أسباب فوز كيباكى توحد المعارضة الكينية خلفه، وبعد فوزه حصلت انشقاقات لتلك الجبهة الداعمة له. واستمرت أزمة الدستور قائمة حتى تم تقديم مسودة للاستفتاء فى 2005، لكن تم رفضها من قبل الشعب الكينى لأنها تعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ولا تتضمن تلك المسودة منصب رئيس وزراء، وهو ما تم رفضه من الناخبين. ونتيجة لهذا الرفض تمت العودة إلى العمل بدستور 1963.
العنف فى 2007 والحل فى 2010..
ومع إجراء الانتخابات الرئاسية فى 2007، والتى شهدت إعلان فوز الرئيس كيباكى بفترة رئاسية ثانية، نشبت أعمال عنف احتجاجاً على النتيجة واتهم زعيم المعارضة (أودينجا) الرئيس كيباكى بالتلاعب فى نتائج الفرز، استمرت أعمال العنف لمدة شهرين وتدخل العديد من الأطراف فى محاولة لحل الأزمة ومنهم كوفى أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وتم التوصل لاتفاق بوقف العنف نص على تقاسم السلطة باستحداث منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى وتعيين أودينجا كرئيس للوزراء، وكذلك إحياء عملية تغيير الدستور الكينى. وتم تشكيل لجنة من الخبراء تكونت من ستة كينيين وثلاثة غير كينيين: واحد من زامبيا وآخر من جنوب أفريقيا وآخر من أوغندا. حيث قامت تلك اللجنة بمراجعة مسودة الدستور وتم تحديد فترة 12 شهرا لتقديم المسودة الجديدة للاستفتاء، وفى 2010 تمت الموافقة على الدستور الكينى الجديد لتخطو كينيا خطوة كبرى إلى الديموقراطية بعد تعثر دام لعقدين من الزمان.