زمان كان فى مصر برامج تليفزيونية تقدم العلم ونظريات العلم والأحداث العلمية المهمة بشكل مبسط إلى الجمهور، تمكنت من تحقيق درجة واضحة من الجماهيرية، فكان الناس ينتظرونها ويتابعونها بشغف واضح. من ذلك على سبيل المثال برنامج «العلم والإيمان»، وكان يقدمه الدكتور مصطفى محمود، وبرنامج «عالم البحار»، وكان يقدمه المخضرم الدكتور حامد جوهر، و«عالم الحيوان» الذى كان يذيع مادته العلمية المكتوبة بحرفية وأناقة بالغة الإعلامى الراحل محمود سلطان. ولا نستطيع أن نمضى إلى الحديث عما نريد التحدث فيه دون أن نشير إلى الرائعة الدكتورة أميمة كامل التى قدمت العديد من البرامج العلمية فى الراديو والتليفزيون، وجعلت من العلم ومن قضايا العلم موضوعاً محبباً ومطلوباً لدى الجمهور. كما لا نستطيع أن نغفل أيضاً الراحل صلاح جلال ودوره فى تبسيط العلوم فى صحف عديدة أشرف عليها.
أذكّر بالإعلام العلمى ورواده بسبب حالة الهبد والشيل والحط التى تسود مواقع التواصل الاجتماعى هذه الأيام حول بعض الظواهر العلمية. فيديوهات وتعليقات تنتشر هنا وهناك، تصدر على لسان شخص لا يملك المؤهلات العملية ولا الفنية التى تمكنه من تحليل أو تحقيق ظاهرة علمية تتعلق بحركة النجوم أو الكواكب أو الخسوف أو الكسوف وغير ذلك، وتجد هذا الشخص يسجل لنفسه فيديو يقلد فيه مصطفى محمود، فيجلس مستريح البال والخاطر مسترخى اللغة ويعرض فيديو من وكالة «مش عارف إيه» للفضاء، ويطلب من مشاهده أن ينظر إلى النجم الثاقب النازل من السموات العلا، وذلك فى مدار تعليقه على كرة لهب مذيلة لا نعرف ما هى بالضبط. ظواهر فلكية عديدة تجدها موضوعاً لحديث هؤلاء الدجالين من أراجوزات السوشيال ميديا كدليل من وجهة نظرهم على أحداث كونية قادمة، وأيام مرعبة توشك على القدوم، والأعجب فى الأمر أن تجد مثل هذه الألسنة الدجلية آذاناً تسمعها.
الشىء اللافت فى هذا السياق أن فيديوهات الدجل بمقدورها أن تجذب قطاعاً من جمهور السوشيال ميديا، فى وقت لا تجد فيه بعض الفيديوهات التى يعدها بعض الشباب حول ظواهر علمية معينة إقبالاً مناظراً. لست أدرى سر هذا العزوف وهل هو لأسباب فنية خاصة بمعدى ومقدمى هذه الفيديوهات؟ أم لأن الطلب على الدجل يتفوق على الطلب على العلم والعلوم والمعالجات العلمية للأحداث؟. حقيقة الأمر أن الإعلام التقليدى بأشكاله المختلفة مقصر كل التقصير فى تقديم محتوى علمى قادر على استقطاب الجمهور، كما كان الحال أيام مصطفى محمود وحامد جوهر وأميمة كامل، أنا لا أقول أن نستنسخ هذه التجارب، فكل زمن وله ظروفه، ولكن يمكن أن تتم الاستفادة من وجوه شبابية عديدة، تعد حالياً فيديوهات علمية على مواقع التواصل، ومنحها فرصة لتقديم برامج علمية، فقد يخرج من بينهم من يحقق تأثيراً ونجومية تنجى الجمهور من فيديوهات السفه والجهالة التى انتشرت على مواقع التواصل بشكل مرعب.