واحدة من مزايا مسلسل «الاختيار» فضحه أصحاب نظرية «الجمهور عاوز كده»، أو «السوق بيرفض الأعمال الجادة»، وكشفه أن أصحاب هذه الأفكار نصابون كبار يقتاتون على تسطيح وعى الناس، وتغييب عقولهم، واستنزاف جيوبهم، هم يثرون، والمشاهدون يخسرون، لكن المهم على أيضاً تأكيد «الاختيار» قدرة العملة الجيدة على طرد العملة الرديئة، ومن دون الخوض فى تفاصيل، فلقد خسرنا كثيراً منذ رائعة «أغنية على الممر» وحتى الآن، ناهيك عن عشرات الأفلام المميزة فى تاريخنا الممتد لأكثر من مائة سنة فى السينما والدراما، المسألة ليست فى عمل وطنى يثير المشاعر، وإنما لدينا تراث طويل أيضاً من الدراما، بعيداً عن مشاعر الوطنية، وضعت مصر فى مصاف الصدارة والريادة، أعتقد أن «الاختيار» حدّد لنا «الاختيار»، فهل سنعود بعد زمن لتكرار الكلام نفسه.
لا أملك سوى احترام هذا الرجل ووضوحه وشجاعته، هو رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس، لا يتوارى ولا يختفى خلف ستائر أو وراء آخرين، وإنما يطرح آراءه بجرأة وثقة متناهية، فى إعلانه الأخير عن واحد من مشروعاته الإنشائية، لم يهتم بتأثير الفيديوهات الجريئة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى، ساخرة من مشروعات تعتمد على «إخراج اللسان» لغالبية الشعب، فاعتمد إعلاناً تأسس على تجميع رموز «كِريمة» المجتمع من مختلف الفئات، أو من نسميهم أصحاب الملايين، ولسان حال الرجل يقول، «هم دول جمهور مشروعى»، أو أن «مشروعاتى المعمارية لهذه النخبة»، وهو بذلك يقول لمن توتر أو تأثر بجرأة الدعاية المضادة الساخرة الجريئة «اللى يخاف مايقربش». الجرأة دى مش غريبة على نجيب ساويرس صاحب الأدوار الكثيرة المهمة والغامضة فى آن.
حتى لا يساء فهم الأمر، نحن فى مجتمع متنوع، الأثرياء فيه كُثر، والأغنياء كذلك، متوسطو الحال كثيرون، ومحدودو الدخل كثيرون، والفقراء لا يُستهان بأعدادهم، هذه سمات المجتمعات الكبيرة مثل مصر، التى يعيش على أراضيها جنسيات لا حصر لها، نحن مجتمع «كونى» مع التجاوز فى التوصيف، ولكل فئة من فئاته احتياجاتها، وإذا لم يوجد من يوفر هذه الاحتياجات بمواصفاتها الخاصة، فستتجه لإنفاق ثرواتها فى غير الموضع السليم، والخاسر الأول هو الوطن، وبالتالى فلا مجال للحديث عن الحاقدين، أو المُحبطين، ولا يجوز التعامل مع الأمر بروح الكراهية والتحريض، وإنما السخرية جزء من روح الشعب المصرى وثقافته، وكما أشرنا فى الفقرة الأولى عن مسلسل «الاختيار»، فإن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، فالمؤكد أيضاً أن دور رجال الأعمال فى المجتمع هو الكفيل بنشر روح القبول والرضا بين أفراد المجتمع بكل طوائفه وعناصره.
الدور الاجتماعى لرجال الأعمال فى أى مجتمع «كوم»، وما يحدث عندنا «كوم تانى»، هناك لا يهتمون بإطعام الناس، وإنما تعليمهم الصيد، على رأى المثل الصينى، وهناك يفهمون جيداً أنه كلما تم الإنفاق على تنمية المجتمع وتطويره، مثّل ذلك حماية لهم من الكراهية والسخرية، هنا نهتم جداً بأعمال الخير، ربما لأن البعض ينتظر أن يغفر الله له خطاياه، لكننا لا نهتم أبداً بمشروعات وأعمال تساعد على تجاوز أزمات مثل التعليم أو الصحة العامة، لا أريد الاستزادة فى التفاصيل، وإنما من حق الأثرياء التمتّع بنتاج مجهودهم ونجاحهم، ويجب أن تتوافر لهم مشروعات تتيح لهم ذلك، لكن تجاهل النظر للأسفل خطر، ولكم فى تجارب الغرب قدوة، كيف تمكنوا من الاستمرار؟ ابحثوا عن إجابة.
الدولة تبذل مجهودات عظيمة لتدبير الاحتياجات، وتُنفق أموالاً طائلة لتلبية احتياجات محدودى الدخل، ومحاصرة آثار الفقر، والقضاء على واحدة من أخطر الظواهر وهى العشوائيات، وتسعى إلى تطوير التعليم، والرقى بالخدمة الصحية، خطط لتطوير المؤسسات الحكومية، وإنشاء مدن جديدة، تفعل كل ذلك وهى دولة فقيرة، مشروعات قومية لتغطية الاحتياجات الغذائية المتزايدة، وتطوير البنية الأساسية من أجل بيئة ملائمة لجذب المستثمرين، وهى تفعل كل ذلك لا بد أن تنتظر من أصحابنا نظرة مختلفة، ودوراً أكثر تأثيراً، لكن يبدو أن الفقير يساعد الفقير.
مقاومة الإرهاب بالقوة العسكرية فقط غير كافية، أبناؤنا المقاتلون قدّموا أعظم الدروس، والتضحيات وأصبحوا نموذجاً يُقتدى به، والمصريون قدّموا المساندة المطلوبة، وأكدوا أن الدولة المصرية متماسكة قوية، ونحن نحارب الإرهاب، نحارب الفساد، الوجه الآخر من العملة، ومكافحة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب.