فى كل قسم أو مركز أو نقطة شرطة، يوجد سجل بالغ الأهمية، يطلق عليه مسمى «دفتر الأحوال»، يحوى كل البيانات الخاصة بوقائع الضبط، وتثبت به حركة المركبات وخروجها والمأمورية وطبيعتها وعدد الأفراد المشاركين فيها من ضباط ومعاونين إداريين لهم، ومتى وأين خرجت المأمورية. ويعد «دفتر الأحوال» عنصراً مهماً من عناصر الإثبات فى القضايا الجنائية، وكثيراً ما يطلب المحامون من المحكمة الاطلاع عليه، للتحقق من صحة أو بيان إجراء معين، كتاريخ القبض على المتهم أو حجزه، وقد تأمر المحكمة من تلقاء نفسها بضمه إلى أوراق القضية. وإبرازاً لدقة معلوماتها، تستخدم بعض الصحف العربية عبارة «من دفاتر الأحوال» عند نشر أخبار الجرائم والحوادث. وإذا كان مصطلح «دفتر الأحوال» مرتبطاً بالعمل الشرطى على النحو سالف الذكر، فإن هذا المصطلح قد دخل إلى أروقة الأدب والكتابة، لوصف وتوثيق فترة زمنية معينة أو رصد أحوال طائفة معينة من طوائف المجتمع أو بيان حالة مرفق أو مؤسسة معينة. وهكذا، يمكن أن نجد عناوين وتعبيرات، مثل «حكايات من دفتر الوطن»، «دفتر أحوال المجتمع المصرى»، «دفتر أحوال الجامعات المصرية»، «دفتر أحوال المعلمين»، و«قراءة فى دفتر الأحوال».
وفى روايته «دفتر أحوال عام الطاعون»، الصادرة سنة 1722م، يقدم الأديب الإنجليزى «دانييل ديفو» تسلسلاً زمنياً دقيقاً لتطور وتيرة وباء الطاعون الذى اجتاح لندن عام 1665، مُقدماً توثيقاً تفصيلياً لهذه الفترة، على نحو يبعث القشعريرة فى الأبدان. ولكن، وفى هذا المقال، وتأثراً بعملى كأستاذ للقانون الجنائى بجامعة القاهرة، لن يكون هدفى هو توثيق تطور وتيرة تفشى جائحة كورونا فى العالم عموماً أو فى مصر على وجه الخصوص، ولكن سوف أحتفظ بتعبير «دفتر الأحوال» بمدلوله الأصلى المرتبط بالعمل الشرطى، وذلك من خلال رصد حركة الجريمة خلال الفترة الحالية التى يعيشها العالم ويئن خلالها من تفشى فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19). فعلى المستوى الكمى، أكدت بعض الأرقام الصادرة مؤخراً عن الأجهزة الأمنية المصرية والأجنبية أن معدلات الجريمة انخفضت انخفاضاً ملحوظاً، مقارنة بمعدلاتها خلال الشهور السابقة على تفشى الوباء. ففى شهر مارس 2020م، صرح مصدر أمنى بأن معدلات الجريمة، خاصة المتعلقة بالجرائم الجنائية مثل السرقة والسطو والقتل، انخفضت بمعدلات ملحوظة، بنسبة تقترب من 55% مقارنة بشهر فبراير 2020م، حيث لم تسجل أقسام ومراكز الشرطة خلال الفترة الماضية نفس المعدلات المماثلة للأوقات السابقة. ويمكن أن يعزى ذلك لحالة الحجر المنزلى التى تتبعها معظم دول العالم خلال هذه الفترة، فضلاً عن الشعور بالخوف من المرض الذى قد يجعل بنى البشر أكثر قرباً إلى الله عز وجل، التماساً لعفوه ومغفرته. يقول الله تعالى فى الآية 21 من سورة السجدة: «وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». فى المقابل، وإذا كانت حالة الحجر المنزلى قد أدت إلى تراجع حجم الجريمة بوجه عام، فإن بعض التقارير تشير إلى ارتفاع جرائم العنف المنزلى. فوفقاً لتقرير الأمم المتحدة حول العنف الأسرى بعد تفشى فيروس كورونا، تم تسجيل زيادة كبيرة فى هذا النوع من العنف فى العديد من الدول. وأوضح التقرير أن هذه الأشكال من العنف تضاعفت منذ بداية تفشى فيروس كورونا الجديد، وبدء الدول بتطبيق إجراءات الإغلاق والحجر الصحى المنزلى، خصوصاً منذ منتصف شهر مارس الماضى. ويبدو أن سبب ذلك يعود فى الأساس إلى زيادة القلق والتوتر الناجم عن فقدان الأمن الوظيفى والاجتماعى والصحى، بالإضافة إلى خسارة الوظائف والأعمال بعد اتخاذ تدابير وإجراءات الإغلاق لمكافحة تفشى الوباء. كذلك، فإن حالة الخوف هى التى تفسر لنا بعض السلوكيات التى رآها البعض غريبة على مجتمعاتنا، كما هو الشأن فى حوادث الاعتداء على الأطباء ورفض وجودهم فى ذات المبانى التى يسكنون بها ورفض دفن المتوفى منهم مصاباً بالمرض فى ذات المقابر الخاصة بالأهالى.
نريد تعاملاً على أساس علمى مع الموضوع، الأمر الذى يتحقق من خلال إحصائيات موثوق بها صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تحدد أرقام وأنواع الجرائم المرتكبة خلال فترة تفشى كورونا، وأن يقوم المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بإجراء البحوث والدراسات اللازمة فى هذا الشأن، وأن تقوم وزارة التضامن الاجتماعى بإعداد وتنفيذ البرامج المناسبة للتخفيف من الآثار النفسية لحالة الحجر والعزلة المنزلية. حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء.