امتزج الأزهر الشريف بتاريخ المصريين، واستقر تحالف لا ينفصم بين الأزهر والمصريين، والأزهر ليس فقط أبنية وجدراناً ومعاهد ودروساً وخطباً وكتباً، بل فوق ذلك هو منهج منضبط فى فهم الشرع، يقوم على تحليل العلوم وفهمها، وتبصير الناس بمقاصد الدين.
وقد حفظ الأزهر مصر من الغلو والتطرف، ولجأ الناس إلى علمائه وقت الشدائد، والأحداث المَهولة، والظروف الصعبة، فوجدوا فيهم الملاذ الآمن، والرأى السديد، والتوجيه الرشيد، بل أوقات الفتن والاضطراب والتحير لم يجدوا ملاذاً يحل حيرتهم إلا الأزهر الشريف، ووجدوا من علمائه ما يملأ النفس مهابة وإجلالاً.
والجامع الأزهر تُؤدى فيه الصلوات، وتُدرَّس فيه العلوم، وتنضبط فيه المناهج، وبفضله أصبحت مصر كعبة علمية يحج إليها الدارسون ليرتشفوا منها، بل أصبحت أمنية كل عالم من مختلف الأقطار والأعراق والأمزجة من علماء المسلمين أن يحاضر فى أروقة الجامع الأزهر، وأمنية كل طالب علم شرعى أن يجثو على ركبتيه فى رحاب أروقته متعلماً، بل وُجدت فى الجامع الأزهر حلقات علمية لتدريس العلوم التطبيقية والنقلية وعلوم اللسان وغيرها، لتكتمل دوائر العلوم فى ذهن متخرج الأزهر.
قال الإمام ابن حجر الهيتمى: «ليس على وجه الأرض بقعة جمعت من علماء الأمة وصلحائها والجهد فى تعلم العلم مثل الجامع الأزهر، الذى فيه عدد من المصنفين والمفتين والعلماء العاملين ما يعجز الوصف عن الإحاطة بهم»، ولذلك عده أمير الشعراء «أحمد شوقى» بعد الحرمين الشريفين.
وقد تولى مشيخة الأزهر الشريف عبر تاريخه أئمة كبار، آخرهم فضيلة الدكتور «أحمد الطيب»، وانضم لهيئاته العلمية الموقرة عدد من أعظم العلماء المتبحرين ممن تدفقت منهم التحريرات الدقيقة، والاستنباطات العميقة، وآخرهم السادة أعضاء هيئة كبار العلماء حالياً، فضلاً عن علماء الأزهر المنتشرين فى جامعته، وفى وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، والمعاهد الأزهرية.
لأجل هذا كله فإن الحفاظ على الأزهر الشريف ومرجعيته العلمية ركن أساسى من أركان الدولة المصرية ومقوماتها وأمنها واستقرارها، وصمام أمان وحماية للمجتمع المصرى؛ لأن الأزهر يحفظ لمصر أكبر خاصية تميزها عن العالم الإسلامى، وهى وجود مرجعية علمية منضبطة عريقة تحظى باحترام المسيحى والمسلم، وسائر الأطياف والتوجهات.
وبعد: فقد تعرّض الأزهر لهجمات متعددة، أتت من الرافضين للأزهر ومنهجه، إنما أخطر ما يتعرض له الأزهر أن تكون الثغرة التى يعانى منها مفتوحة من المحيطين بفضيلة الإمام الجليل.
فحينما يكون أقرب المحيطين بالإمام الجليل رافضاً للمنهج الأشعرى -الذى عليه الأزهر وإمامُه- فتلك فاجعة الفواجع!!، وحينما يتقدم محامٍ لرفع دعوى ضد مشرف الأروقة وخطيب الأزهر؛ لأنه أخطأ فى خطبة الجمعة على منبر الأزهر أكثر من عشرين مرة، فالأمر يثير التوقف!!، وحين تكون السيدة التى أسست جروب «أحباب الإخوان» هى «مساعد الأمين العام لمجمع البحوث لشئون الواعظات» والموكل إليها محاربة التطرف الفكرى فتلك ثغرة عميقة!!، وحين تكون عميدة أهم كلية فى الأزهر «كلية العلوم الإسلامية للوافدين» هى أكبر داعمة لتيار الإخوان فتلك آفة الآفات.
والحلُّ يتمثل فى وجوب الفصل التام بين الأزهر، الذى تحدثنا عنه بكل إجلال ومهابة فى السطور الأولى، وبين بعض المحيطين بالإمام، الذين سنتحدث عنهم واحداً تلو الآخر فى مقالات قادمة، حتى يُوقن الناس أن بعض المحيطين بالإمام أزاهرة شهادةً وتخرُّجاً، لا انتماءً ومنهجاً، وقد تحصَّل عندى أنه ليس أضر على الأزهر من المضطرب فى انتمائه، وأن الأزهر فى حاجة لانتقاء رجال من العلماء الراسخين، ترى فيهم هيبة العلم، وسلامة المنهج، وانضباط الانتماء.. لأجل هذا نفتح هذا الملف فى صفحة الرأى بـ«الوطن» صوناً للأزهر.