«اللهم قنا غلظة القلب وشر النفس»، فليس أبشع من الشر إلا الانتقام، إنها النقمة التى إذا ما سيطرت على الإنسان أهلكته، وأضاعت حقه وجردته من إنسانيته، فلا يستوى بنو البشر نفسياً دون أن يتصفوا بالإنسانية، تلك المشاعر القادرة على كبح جماح الغضب والأذى والشر، والتمييز بين الحق والباطل، الخير والشر، ربما تتفاوت تلك المشاعر من شخص لآخر، لكن أن يتجرد منها الإنسان بالكامل فإن ذلك لا يتسق وطبيعته، ويتناقض مع أسباب وجوده فى هذه الدنيا.
«فتحى» أحد أشقاء رضوان البرنس، أو النجم أحمد زاهر، جسَّد هذا الشر المستطير، فمد الخط على استقامته طوال أحداث المسلسل، فاتخذ من الشر مبدأ وغاية تحقق أهدافه ومصالحه، دون الالتفات إلى صوت الضمير، أو المشاعر الإنسانية التى يفطر الله عليها خلقه يوم يولدون، لتكون مسار حياة فى الدنيا تدلنا على الخير، وتبعدنا عن الشر. لا يوجد شر مطلق ولا خير مطلق، تلك حقيقة ثابتة، يتفاوت فيها الخير والشر، لكن «فتحى» تغلب عليه الشر وتملّكه، وأتقن أحمد زاهر باقتدار دور الشر وتفوق على نفسه، لبس ثوب الانتقام فى أبشع صوره طوال الأحداث الدرامية؛ يحيك المؤامرات ويتلذذ بالانتقام. فأبدع وتألق، لدرجة أصبح فيها يُشفق عليه من نفسه الأمّارة بالسوء، فى ظل غياب كامل لسلطة القانون! قد تكون لديه أسبابه ومبرراته التى جعلته بهذا الجبروت والعنف، لكن ليس بالضرورة أن تكون تلك ذريعة يتكئ عليها ليمارس فعل الانتقام والوحشية بحق أقرب الناس إليه!.
الفنان «أحمد زاهر» أبهرنا بأدائه المتميز وقدرته على تقمص الشخصية الشريرة، ومعايشته للدور حتى صدقناه؛ فكرهناه، لدرجة أن بعض المشاهدين بعثوا له برسائل تهديد بالقتل، وهذا يحسب له كممثل، لأنه يعنى نجاحه فى الدور الذى يتقمصه، فقد استطاع بأدائه المبهر إقناع المشاهد بشخصية فتحى، حتى إن المشاهد للحظة صدَّق أن «فتحى» شخصية واقعية من لحم ودم، وتستحق العقاب، وهو ما فعله أحمد زاهر طوال أحداث المسلسل، حتى إنه وصف شخصية «فتحى» التى قدمها فى «البرنس» بالشخصية الأكثر شراً فى تاريخ الدراما المصرية والعربية، وهذا صحيح.
الحقيقة أن أحمد زاهر أثبت قدرته على لعب الأدوار المختلفة، رغم أنه لم يأخذ حقه بما يتناسب وموهبته، فهو قادر على أن يكون من نجوم الصف الأول، ويستطيع إنجاح أى عمل يسند إليه، وقد تأخر الوقت كثيراً لإيفائه حقه فى النقد والإطراء الذى يستحقه، وتسليط الضوء على أعمال عديدة ناجحة قام بها، منذ مسلسل «الرجل الآخر» الذى قدمه فى نهاية التسعينات من القرن الماضى أمام الفنان الراحل نور الشريف، وكان باكورة أعماله الرسمية، بعدها توالت الأعمال الفنية، وقدم فيها شخصيات متنوعة وأدواراً مركبة، التى تركت بصمة لدى المشاهد، ورغم أنه يسير بخطى ثابتة، لكنها بطيئة بعض الشىء، إلا أنه يؤمن بأن الفن رسالة وليس متعة، لذلك يحرص على المشاركة فى أعمال فنية هادفة جعلته أكثر قرباً إلى الجمهور، ومسلسل «البرنس» كان إحدى المحطات الفارقة فى شخصية أحمد زاهر الفنية، ونجاحه كان بسبب فهمه لتركيبة «فتحى» النفسية شديدة الغرابة (على حد وصفه).
اجتهد أحمد زاهر فى تقديم الدور فأجاد، وخرج برصيد جماهيرى يحتفى به أكثر من السابق وترك بصمته الفنية التى يحرص عليها فى كل عمل يسند إليه تتحدث عنه، لتشكل إضافة جديدة فى مشواره الفنى بعيداً عن الإسفاف والتكرار، تحية لأحمد زاهر المبدع، وهنا أقتبس كلماته عن نهاية فتحى البرنس «ودا مصير كل فتحى.. هتوحشنى ياتوحة».