ما زال عيد ميلاد الزعيم فرصة للبحث فى معايير الظاهرة الفنية.
تواجه مجتمعاتنا معضلات فى تقييم الظواهر الفنية فى الغالب.. إذ إن سطوة بعض الظواهر تمنع أى محاولة حيادية فى تحليلها بموضوعية.
المفترض فى الفنون أنها «رسالة متوازنة» قبل أن تكون شهرة مدوية.. ونجومية واسعة.
فى مجتمعاتنا تتماهى الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والخيال.. لذلك تتخطى الأعمال الفنية كونها مادة للتسلية أو إضاعة الوقت إلى نماذج معتمدة لسلوكيات الأفراد.
هذا هو السبب وراء تحول الممثل (الظاهرة الفنية) من مُؤدٍّ للدور إلى قدوة ونموذج بما يجعل معايير الحكم على الظاهرة الفنية مسألة شديدة الأهمية.
السؤال: هل يجوز اعتبار مجرد النجومية أو الشهرة الواسعة معياراً وحيداً للحكم على ظاهرة فنية بالإيجاب؟ ما الحال لو تعارض ما قدمه الفنان مع المبادئ الاجتماعية المفروضة أو الإيجابية المفترضة فى الرسالة الفنية؟
هل يكفى عنصر الاستمرارية وحده معياراً للحكم على مسيرة فنان كبير؟ ماذا لو كانت آثار مراحل مختلفة فى تلك المسيرة شديدة السلبية على مجتمعه؟
افرض أن محمد رمضان استمر بنفس (نجوميته) وشهرته المدوية أربعين عاماً أخرى.. هل يجوز وقتها اعتبار نجوميته واستمراريته مؤشراً على ظاهرة فنية من العيار الثقيل؟
صعب إنكار تأثير محمد رمضان السلبى (كنموذج وظاهرة) بترويجه للبلطجة والتعامل بالسلاح والافتئات على القانون فى الشارع.. بالمنطق نفسه صعب نزع مؤشرات سلبية التأثير عن أفلام عادل إمام فى السبعينات والثمانينات.
كمّ شديد من قيم معوجة تسللت إلى مجتمعاتنا من خلال الضحك فى أفلام جيل الزعيم.. كمّ هائل من إشارات منافية للمبادئ السليمة، وضد المعايير الأخلاقية المفترضة.. كمّ هائل من كل ما هو عكس المفترض فى الفن توجيهه إلى أجيال السبعينات والثمانينات.
دفعت المعادلة الفنية المعكوسة المصريين للتعاطف مع أبطال مدرسة المشاغبين بكل نواقصهم وتجاوزاتهم فى مواجهة المدرسة والمجتمع والأهل والقانون.. اجتذبت أفلام من عينة (رمضان فوق البركان) تعاطف المشاهد مع نموذج خفيف الدم وجد فى اختلاس المال العام حلاً جهنمياً لمشكلاته.. ولقى فى الخروج على القانون مقاربة أسرع لحياة كريمة.. فانفجر الجمهور ضحكاً.. من قدر ما أبداه المجتمع من احترام للحرامى.. مقارنة بسوء المعاملة أيام الفقر!!
روجت أفلام الزعيم فى مرحلة ما قبل وحيد حامد لشعارات (أخد الحق حرفة).. و(عمّى قرشى، وصاحبى دراعى).. وهى نفسها رسائل البلطجة والافتئات على القانون والحيل الجهنمية للهروب من السلطات فى أعمال محمد رمضان.
أساس فلسفة الجمال فى قدرة الفن على أداء وظيفته. أن وظيفة فنون المحاكاة (دراما - سينما - مسرح) تبصير المجتمعات بما يجب أن تكون عليه فى الطريق لكمال السلوك.. والقيمة.
بعضهم يصر على أن إظهار مساوئ الواقع هى وظيفة الفنون الأولى. هذا كلام فارغ ربما سببه احتياج بعضهم لشرعنة وجوده.. أو سعى آخرين لتقنين نجوميتهم.
لو حدث وفقدت ظاهرة فنية بوصلة تنبيه مجتمعاتها.. فعلى مجتمعاتها تنبيهها.. وتسجيل موقفها منها كظاهرة.. حتى ولو كان الأوان قد فات.