معظم المناقشات الدائرة حالياً حول التداعيات السلبية لأزمة «كورونا» على الاقتصاد تدخل دائرة الضجيج بلا طحن، فليس من المعقول أن يستغرق المسئولون حتى الخبراء فى أحاديثهم كل هذا الوقت للبحث عن أسباب ومبررات لا تجدى نفعاً دون الدخول فى جوهر القضية وطرح مقترحات الحلول والعلاج.
للأسف الشديد، أظهرت هذه الأزمة أننا نعانى من خلل واضح فى علاج الأزمات وكيفية إدارتها، بل والأدهى أن كثيرين تبرأوا من الأزمة والحديث عن تداعياتها الخطيرة وتركوا الدولة وحدها تواجه هذا المصير المؤلم، بل إن أكثرهم تنصل من تلك المسئولية، وأقصد هنا التجمعات الاقتصادية لرجال الأعمال وتنظيماتها المختلفة أياً كان شكلها، على الرغم من تحرر وانفتاح القطاع الخاص بالمقارنة بالقطاع العام المحكوم بغابة من القوانين والتشريعات التى تقيد حركته.
أرى أن المحور الأساسى لعلاج هذه الأزمة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد يتمثل فى عالميتها، بمعنى إدراك أن أسبابها خارجية، وبما أننا لسنا بمعزل عن هذا العالم، فإن الأمر يدعونا إلى البحث الجاد عن حلول إنقاذ سريعة خاصة فى ظل استيرادنا 65% من غذائنا، فيجب البحث عن حلول غير تقليدية وعبر اتفاقيات تسمح بتقديم تسهيلات وميزات تنافسية أفضل عما جرى فى السابق.
لابد أيضاً من انتهاج سياسة جديدة لإدارة المخزون الاستراتيجى للبلاد بمدد زمنية مختلفة لا تقل عن 6 أشهر عبر خطة جديدة للشراء المستقبلى وليس لتلبية الاحتياجات العاجلة.
كما أننا فى ظل الإجراءات التقشفية التى دعت الدولة لها لمواجهة عجز الموازنة والأزمة وتراجع الإنتاج والركود وخلافه، فإننى أرى أننا لابد من معالجة الفاقد فى طرق تخزين السلع، فقد أثبتت دراسات عديدة أن 40% من السلع تهدر فى عمليات التخزين ووسائل النقل والشحن.
أضف إلى ذلك سلوكياتنا كمواطنين التى تتسبب أيضاً فى هذا الفاقد من خلال شراء سلع لتخزينها تتلف مع الوقت لكونها لها مدد صلاحية، فإن الأمر يتطلب تغييراً فى سلوكيات المواطنين الشرائية تستهدف التوظيف الأمثل للموارد، ولابد أن يشعر المواطن بأنه مسئول فى تحمل المسئولية، لأننا كلنا فى مركب واحد من خلال عدم التخزين والتزاحم على السلع وعدم الإسراف وترتيب أولويات الإنفاق فلا داعى لإنفاق ميزانيتك على أمور لست فى حاجة لها الآن، فيجب أن يكون لديك أولوية للإنفاق.
وللتاجر والمنتج دور أيضاً فى مساعدة الدولة من خلال حفظ الأمن الغذائى وضع الخطط اللازمة لمجابهة الأزمة بزيادة الإنتاج واستحداث أنظمة اقتصادية جديدة تتلاءم مع الأوضاع الجديدة وعدم الغش والتلاعب بالأسعار والاحتكار، وكذلك تقليل الإهدار فى المواد الخام وتوظيفها التوظيف الأمثل والتقليل قدر الإمكان من الإسراف فى الاستيراد بدعوى مواد خام حتى لا نستنزف موارد الدولة النقدية.