الإنفاق العام و الالتزامات نحو الرعاية الصحية إلى أين "1"؟
محمد سيف الله
في ظل تصاعد أزمة فيروس كورونا المستجد وانشغال العالم بين مسار الإغلاق الكامل وحظر النشاط العام حفاظا على أرواح المواطنين ومسار تحفيز الاقتصاد لتفاد أو تقليل آثار ركود اقتصادي محتمل (قد يصل لمرحلة الكساد) عالميا ومحليا تأتى مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة في البرلمان المصري لتطرح نفس الإشكالية كل عام هل من الممكن في ظل التحديات الاقتصادية والأعباء المالية خصوصا تلك المصاحبة لسداد أقساط وخدمة الدين العام بجانب تقديم الحزم التحفيزية للاقتصاد تحقيق الالتزام بالمستهدف الدستوري للإنفاق العام على الرعاية الصحية بنسبة 3% من الدخل القومي ؟
يأتي هذا التساؤل كل عام بخصوص تحقيق الالتزام الدستوري الخاص بالإنفاق العام على الصحة والتعليم بأطواره والبحث العلمي ويحدث جدلا داخل المناقشات المبدئية بلجنة الخطة والموازنة بالبرلمان يتبعه جدل في الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة بالبرلمان إلا أنه في كل المرات السابقة كان المجلس يقر مشروع الموازنة العامة. في هذا العام تأتي الإشكالية بسبب ظرف عالمي يعيد ترتيب آولاويات الإنفاق العام بل والسياسات العامة كلها وهو تفشى جائحة فيروس كورونا المستجد كلوفيد-19 والذي أشعل انتشاره الحديث في المراكز البحثية حول آولويات السياسة العامة للدول بشكل عام والأهمية الإستراتيجية لقطاع الرعاية الصحية بشكل خاص في مصر.
فطن المشرع الدستوري أهمية تجنيب مخصصات ثابتة للإنفاق العام على الرعاية الصحية بحد أدنى لا يقل عن 3% من الناتج القومي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية التي تصل إلى متوسط 4% في الدول ذات الدخل المرتفع و 6% من الناتج المحلي الإجمالي في الدول النامية وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية حتى الآن ،إلا أنه على الجانب الآخر وفقا لمشروع الموازنة العامة المبدئي هناك ما يساوي تقريبا 1.1 تريليون جنيه، تقريبا حوالي 65 % من إجمالى المصروفات بمشروع الموازنة العامة لسداد أقساط وفوائد الدين العام بمعنى أن هناك مساحة للتحرك داخل ثلث مشروع الموازنة العامة فقط .
على جانب آخر فإنه مع بدأ إجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد فى مصر تم الإعلان عن 100 مليار جنيه لجهود مكافحة كورونا ثم أعلن وزير المالية فى تصريح له فى شهر أبريل 2020 عن تخصيص 254 مليار جنيه للإنفاق على قطاع الصحة وهو رقم يتجاوز المستهدف الدستورى حال تطبيقه إلا أن التصنيف الوظيفى لمشروع الموازنة أشار إلى تخصيص 93 حوالى مليار جنيه فقط على قطاع الصحة ولم يوضح مشروع الموازنة توزيع إنفاق 100 مليار جنيه لمكافحة كورونا المعلن عنها بين القطاع الصحى وغيرها من الاستخدامات بما فيها دعم العمالة الغير منتظمة والحزم الإقتصادية التحفيزية .
تأتى هذه الإشكاليات في ظل تصاعد الأهمية النسبية لقطاع الصحة وخصوصا الصحة الوقائية ،وعليه يجب على الحكومة أن تحدد موقفها من آولويات الإنفاق العام وأن تعى أن العالم ما بعد كورونا سيتشكل فيه منظور جديد للسياسات العامة يتجاوز المفهوم الأحادي الذي يفصل بين ما هو اقتصادي وما هو إجتماعي وذلك بعد الدرس القاسى الذي يمر به الاقتصاد العالمي الآن و إنخفاض معدلات النمو أوحتى تحويلها إلى إنكماش بسبب هزة حدثت لقطاع بدا في الأفق أنه غير مؤثر نسبيا على الدورة الاقتصادية وحصره في الطور الإجتماعى حتى اثبتت لنا الأيام أنه مؤثر بقوة على دورة النشاط الإقتصادى بدأً من حركة السفر والسياحة حتى مستويات أسعار تداول خام البترول من النفط التقليدي والصخري .
فهل أدركت الحكومات في مصر و العالم النامى والمتقدم الدرس ؟
محمد سيف الله
عضو تنسيقيه شباب الاحزاب والسياسيين