منتصف التسعينات كانت الإشاعات التى تنتشر بين الناس يغلب عليها الطرافة، ولم يكن لها تأثير يذكر على بنية المجتمع أو الأمن القومى للدولة.. انصبَّ معظمها على فئة الفنانين، مثل: إشاعة إصابة المطربة «وردة» بالإيدز، وكان ذلك وقتها طعناً صحياً وأخلاقياً معاً.. أما الفنان «عادل إمام» فقيل عنه إنه عرض على الرئيس مبارك أن يسدد ديون مصر الخارجية بشرط أن يتم وضع صورته، (صورة عادل)، على الجنيه المصرى، أو أن يتم تعيينه وزيراً، أو أن يُقام له تمثال كبير فى أحد الميادين المهمة! وقيل كذلك إن الفنانة «فيفى عبده» لديها فى منزلها مصعد يوصلها بسيارتها إلى غرفة نومها!! أما أطرف الإشاعات الفنية فكانت حين أشيع أن الفنان «محمد صبحى» مسيحى.
حتى بعد وفاة الفنانين كانت الشائعات تطارد جثثهم أحياناً؛ فالفنان الراحل «صلاح قابيل» قيل عنه إنه دُفن حياً وإن ذويه قد فتحوا قبره ليجدوه جالساً فيما يبدو معه أنه كان يصارع من أجل الخروج من مثواه الأخير، وهذا كله نفاه أقرباء الراحل بعدها.
إشاعات اليوم هادمة وخطيرة وتنفذ إلى أعماق المجتمع بفضل قوة «السوشيال ميديا».. و«حروب الجيل الرابع» مصطلح يصيب البعض بالأرتيكاريا. والبعض الآخر يضحكنا حين يسىء استخدامه؛ فيتحدثون عن الجيل الرابع والخامس والسادس أيضاً. ولكن يبقى المعنى المقصود حقيقة، نحن فعلاً فى خطر ونتعرض لهجوم؛ فالإشاعات الآن ليست طريفة أو مضحكة، ولا تنصب على أشخاص أو منتجات أو خرافات، بل تضرب مباشرة فى عظام الدولة المصرية لتفتيتها أو إصابتها بالهشاشة كى يتراكم التأثير وتسقط فى لحظة ما. فمن فشلوا فى الفوز على مصر بالضربة القاضية الفنية والدرامية، يريدون الآن هزيمتها بالنقاط.
الإشاعات فيروسات، وأى فيروس يحتاج، لكى يعيش ويتكاثر، إلى عائل، أو شخص يحمله ويساعده، بمعنى آخر، شخص يتمكن الفيروس من ركوبه.. وفى «السوشيال ميديا» هناك الكثير من «المراكيب» ممن تسبب فى تخليقهم الغياب التام لمنظومة تعليمية وتثقيفية جيدة خلال عقود.. والمركوب لُغوياً هو ما يُلبَس فى القدم، وهؤلاء سلّموا عقولهم لجماعات منظمة استخدمتهم لتدوس بهم على المنطق والعقل.
المُغرض يستغل دوماً أخطاء المُقصر ليضخمها وينسج منها قصصاً وحواديت، وهذا عادى ولن يضر كثيراً، ولكن هنا يأتى دور «المركوب» الذى ينشر تلك الخيوط بثقة كبيرة فى النفس وبقدرة عالية على ترويج الأكاذيب والتعامل معها كونها حقائق، هذا كله لأنه كائن جاهل ولو لم يكن فارغاً من الداخل ما ملأ فراغه مجموعة إرهابيين.
الحرب المدمرة فى سوريا مثلاً بدأتها ثلاثة فيروسات يستخدمون موقع «تويتر» للتغريدات القصيرة على هواتفهم وينشرون أخباراً من عينة: «إلحقونا، الطيران السورى يقتلنا فى حلب»، «أنقذونا، الغاز السام يخنقنا فى حمص»، وهكذا.. ومع المشكلات البنيوية الكبيرة التى يعانى منها النظام السورى، لم يكن الأمر يحتاج إلا إلى عدد من «مراكيب السوشيال ميديا» ممن يتبنون القضية دون وعى ويسخّنون الناس، ليبدأ تأثير كرة الثلج.
«مراكيب السوشيال ميديا» يثقون فى أنفسهم ويؤمنون بالفعل بما يفعلون؛ فهم مجموعة جهلة لا وعى لهم بالسياق العام للأحداث، ولا قدرة لديهم على تقصى أية حقائق. احذروا المراكيب لأنهم أحذية الإرهابيين التى يمشون بها بيننا.