ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، أو يقترب من التحقق، فالفرق كبير وواضح بين ما تتمنى وبين ما يتوقع أن يكون، بين ما تحلم، وبين الواقع على الأرض.
بعد أشهر قليلة من يناير 2011، شاءت الأقدار أن ألتقى برجل أعمال من العيار الثقيل جداً، كان اللقاء بالقرب من أحد شواطئ مصر الخلابة، على البحر الأحمر، وكان معنا فى اللقاء عدد من الصحفيين والفنانين والأدباء والإعلاميين. كان اللقاء أقرب للرحلة، بعيداً عن السياسة، وأمور العمل والمجتمع، كان لعب الطاولة سيد الموقف، وميداناً لاستعراض المهارات، بعيداً عن هموم الحياة ومشاغلها، لكنى فى ذلك اليوم تعلمت درساً من رجل الأعمال الذى وبالمناسبة لم ألتقِ به ثانية بعدها. وسط لهيب الحماس، بين تشجيع طرفى لعبة الطاولة، وكان أحدهما رجل الأعمال أما الثانى فهو أديب كبير شهير بإجادته للعب الطاولة، فاقترح أحد الفنانين الرهان على فوز رجل الأعمال، فى حين اقترح آخرون الرهان على فوز الأديب، لكن ما فاجأنى أن رجل الأعمال راهن سراً على الأديب (خصمه). ما إن انتهت جولات الطاولة الساخنة، حتى وقعنا فى موقعة طرفاها الزمالك والأهلى، وكان رجل الأعمال زملكاوياً «سيخ»، فحدث رهان جديد، لكن الرجل راهن على فوز الأهلى، وظل طيلة المباراة يشجع الزمالك بجنون، حتى شعرنا بالخوف من أن يصاب بجلطة أو ذبحة صدرية. فاز الرجل بالرهانين، فسأله الإعلامى، كيف وأنت زملكاوى متعصب تراهن على فوز الأهلى، وكيف تراهن على خصمك التقليدى، فقال له كنت أتمنى أن أفوز بجولات الطاولة، وكنت أدعو الله أن يفوز الزمالك بالمباراة، لكن هناك فرق بين ما أتمناه وبين الواقع الذى يفرض نفسه بمعطياته. وأكمل قائلاً: الأديب أكثر خبرة وأشد حرفة، وكانت متعتى أن أراه قلقاً من الخسارة، أما الزمالك فهو يلعب ونصف نجومه إما مصابون أو موقوفون، ولم يرتح الفريق أكثر من 36 ساعة قبل المباراة، فى حين أن الأهلى يلعب بكامل صفوفه، وظل أسبوعاً كاملاً يتحضر لمباراة القمة، ناهيك عن التحيزات الواضحة له.
هذا هو الدرس، من حقك أن تتمنى كيفما شئت، لكن لا ترهن عقلك وجهدك ومالك وأولادك وبلدك، فى أمور المنطق والعقل والحسابات لا تقف فى صالحك. قد تتمنى أن ينعم بلدك بالأمان والصحة والسلامة، لكنك ولا من حولك، يقومون بما يلزم لينعم هذا البلد بالصحة والأمان والسلامة، الكارثة أن العكس هو ما يحدث، تتمنى السلامة والصحة، ولا ترتدى الكمامة فى الأسواق، ولا تحافظ على المسافة الآمنة بينك وبين من حولك، ولم تجعل نزولك من البيت للضرورة. قد تتمنى أن يرزقك الله بمال وفير، وثروة كبيرة، وأنت تنام طيلة النهار، وتقوم الليل لتفعل ما تجيده، مشاهدة التليفزيون، والدردشات على وسائل التواصل الاجتماعى، لا عمل ولا إنتاج، ولا ابتكار، ولا جهد، ولا تفكير، ولا حتى مجرد «سعى» لتكون أفضل. حتى فى دينك ودرجة قربك من الله، تتمنى أن تصبح إنساناً متديناً، دون أن تقرأ وتتعلم وتختار من تقرأ لهم وتتعلم منهم، ودون أن تفهم أن قربك من الله، هو فى الوقت نفسه قرب من الناس كل الناس، تحبهم وتقدم لهم الخير، بالطريقة التى ترضيهم، لا التى ترضيك.
بالمناسبة: طيلة الأيام الثلاثة، جمع المراهنون نحو 50 ألف جنيه، وتم التبرع بها لإحدى الجمعيات الخيرية، وهو عرف لكثير من رجال المال والأعمال فى مصر، قد لا يراه البعض نموذجاً، لكن هذا ما حدث.