فى الوقت الذى يتسابق فيه العالم بحثاً عن لقاح لفيروس كورونا «كوفيد 19 المستجد»، وتتجادل الدول العظمى حول الآثار الجانبية لأى من بروتوكولات علاج كورنا، ويتم تشريح جثث المتوفين لمعرفة كيف يعمل الفيروس وما هى الأعضاء التى تتلف بمجرد إصابة الإنسان به.. فى هذا الوقت الذى نتناقش حول سبل «التعايش» مع الفيروس يخرج علينا طبيب مصرى بافتكاسة أقل ما توصف به أنها «دجل علمى» واتجار بأرواح البشر الذين يبحثون عن غرفة فى العناية المركزة أو عن نفحة أوكسجين ترد إليهم الحياة.
الدكتور «عمرو الرشيدى»، مدير مستشفى حميات سوهاج، المخصص لعزل حالات كورونا، أعلن أن هناك خلطة يجربها لعلاج المصابين بفيروس كورونا داخل مستشفى الحميات فى المحافظة، إضافة إلى بروتوكول العلاج المقرر من وزارة الصحة.
وأضاف مدير المستشفى، فى تصريحات صحفية، أن الخلطة مكونة من «عسل نحل، وزيت حبة البركة، والبابونج»، مشيراً إلى أن الخلطة أظهرت نتائج جيدة، حيث شُفيت 3 حالات بعد إعطائهم التركيبة الجديدة.
وبالطبع تناقلت كل وسائل الإعلام خلطته السحرية دون أن نسأل أولاً: من الذى أعطاه تصريحاً بتجربة خلطته الملعونة على المرضى؟.. ولا رأينا طبيباً واحداً يصد عنا هجمة الجهالة والعصف بالعلم، أو بالأحرى خلط العلم بالشعوذة الدينية بالعطارة.
فبحسب الدكتور «رشيدى» فإن خلطته (أبلغه بها صديق يقيم فى السعودية، وهو حاصل على دكتوراه فى الكيمياء الحيوية، ودكتوراه فى الطب النبوى، بعد أن جرى تجربتها على مصابين فى السعودية بحسب قوله).. وهذا كلام مرعب، فلا توجد أى جامعة فى العالم ولا حتى الجامعات المصرية تدرس أو تعترف بما يسمى «الطب النبوى».. بل إنه محل خلاف بين علماء الدين أنفسهم.. ولا أدرى ما هو محتوى الدكتوراه المزعومة هل هى العلاج ببول الإبل أو الحجامة.. أم أنها ألاعيب رخيصة للسيطرة على عقول البسطاء والجهلاء الذين جربنا فيهم كل «حيل العطارة الدينية».. فمنهم من كان يداوى «فيروس C» بلدغات من النحل فى عيادة طبيب شهير بالدقى، ومنهم من تناول أعشاب «عبدالباسط» حتى أصبحت الفيروسات الكبدية «طاعوناً جديداً» تخلصنا منه والحمد لله. وها نحن نكرر المأساة بنفس الآليات: استغلال تفشى وباء على نطاق واسع، عدم توافر الفحوصات والأدوية للبسطاء، عجز المنظومة الصحية عن استيعاب كل الحالات المصابة، تجارب عالمية لعقارات لم يتفق العالم على نتائجها فى تحقيق الشفاء!!.
فبعد الضجة التى أثارها الدكتور «مجدى نزيه»، رئيس قسم التثقيف الغذائى بالمعهد القومى للتغذية، خلال لقائه ببرنامج «باب الخلق» الذى يقدمه الإعلامى محمود سعد على قناة «النهار»، حول «الشلولو»، وهى أكلة مصرية قديمة، والزعم بأن «الشلولو» تقضى على كورونا، خرج الدكتور «نزيه» مرة أخرى على كل وسائل الإعلام ليؤكد أن وجبة الشلولو لا تمنع الإصابة بفيروس كورونا، ولكنها تساعد على رفع قدرة الجهاز المناعى، ما يساعد الجسم على مقاومة الفيروسات، نظراً لما تحتويه من الثوم والليمون بنسب عالية.
لاحظ أولاً أن دكتور «نزيه» ليس من اختصاصه الإشراف على علاج المرضى فى مستشفيات العزل، وأنه لم يجرّب الشلولو على أى من المرضى، وكل ذنبه هو الخلط بين «الوقاية والعلاج» فى طرحه لأكلة مصرية شهيرة.. وعموماً فإن الملوخية الناشفة إن لم تفد إنساناً يحتاج لغرفة عناية مركزة فربما لن تؤذيه.
لكننا فى طرح الدكتور «رشيدى» لخلطته السحرية، المعجونة بإثارة مشاعر العامة بعبارة «الطب النبوى» أمام جريمة علمية وأخلاقية يجب أن تراجعها نقابة الأطباء، (باعتبارها جهة محاسبة الطبيب)، جريمة يجب أن يُعاقَب عليها من «وزارة الصحة والسكان» التابع لها مستشفى حميات سوهاج.. فالسيد المدير سمح لنفسه بتحويل البشر إلى «فئران تجارب» ليخرج علينا بتصريحات عنترية: قائلاً: «إنه عقب استخدام تلك الخلطة، بالإضافة إلى علاج وزارة الصحة، تم ظهور نتائج جيدة، وتم شفاء 3 حالات بالمستشفى، لذلك قرر توجيه النصح للمواطنين باستعمال تلك الخلطة، سواء مصابون أو غير مصابين، لتخفيف الضغط على المستشفيات، بعد تزايد الحالات ووجود ضغط على المستشفيات»، وأوضح أن الخلطة تساهم فى تقوية جهاز المناعة، لافتاً إلى أن الخلطة تُعتبر بمثابة وقاية وتمنع دخول الفيروس للجسم، وبالتالى سيتم وقاية الناس وتخفيف الضغط على المستشفيات!!
ولم يقل لنا الطبيب العبقرى لماذا نسبَ نسبة الشفاء إلى خلطته وليس إلى علاج وزارة الصحة؟.. ولم يوضح هل أجرى دراسة مقارنة ليعرف قدرة «جهاز المناعة» مع أو بدون خلطته؟.. وكيف يقول بكل تبجح إن خلطته (تمنع دخول الفيروس للجسم) دون أى دليل علمى على ما يقول ودون أى مراجعة من جهة علمية؟!.
لقد وصلنا إلى قمة الاستهتار بأرواح البشر من طبيب منوط به -للأسف- الحفاظ على أرواحهم.. وصلنا إلى درجة من الانحطاط الأخلاقى باستغلال مريض لا حول له ولا قوة لتجريب خلطة شعبية عليه.. خلطة أقل ما توصف به أنها تحوِّل الطب إلى محل عطارة.. فإن لم يُحاسَب هذا الطبيب على ما فعله يجب على وزارة الصحة أن تصدر تصريحات للعلاج بالحجامة وبول الإبل والرقية الشرعية!!.