فى تلك اللحظة تحديداً، ومع خبر وفاة النجم والممثل حسن حسنى (مواليد 1931)، أتخيل حال نجوم جيل كامل من فنانى السينما المصرية، كان «حسنى» بمثابة تميمة الحظ لهم جميعاً، وهم أبناء جيل التسعينات الذين ظهروا وتألقوا بعد نجاح فيلم «إسماعيلية رايح جاى» وكيف أنهم لا يستطيعون وداعه بالشكل اللائق فى ظل ظرف جائحة «كورونا» التى صارت تمنعنا من وداع مَن نحب، أو نلقى النظرة الأخيرة على الأقل، أو نمسك بأيديهم ونقول لهم كم أحببناهم. فهو بالنسبة للجميع كان ولا يزال «عم حسن».
رحيل حسن حسنى المفاجئ فى ذلك الظرف التاريخى الملىء بالمفارقات الدرامية، يتسق مع مشوار حياته الذى لا يخلو من المفارقات أيضاً، فهو ابن حى القلعة وكان والده مقاول بناء، توفيت والدته وهو فى عمر السادسة وبعدها انتقل وعائلته إلى حى الحلمية، وفى المدرسة «الرضوانية» عرف أن المسرح هو غايته، فانضم لفريق المدرسة وصار واحداً من ألمع نجوم الفريق، بعد أن قدم دور «أنطونيو»، وحصل عنه على كأس التفوق ومن بعدها كان عضواً فى فريق المسرح العسكرى الذى تشكل لتقديم عروض قادرة على نشر الوعى وشحذ الهمم، وبعد أن تم حل فريق المسرح العسكرى التحق بمسرح الحكيم الذى شهد بشكل أساسى خطواته الأولى إلى عالم النجومية حيث شارك من خلاله فى عدد من المسرحيات، منها «عرابى» مع المخرج نبيل الألفى، ومسرحية «المركب اللى تودى» من إخراج نور الدمرداش، كما قدم مع المخرج سمير العصفورى مسرحية «كلام فارغ» التى حققت رقماً قياسياً فى تلك الفترة واستمرّ عرضها 6 أشهر على المسارح، وبعد نجاحه الكبير فى هذه المسرحية انتقل إلى المسرح القومى وبعدها إلى المسرح الحديث، وانضمّ بعدها إلى فرقة تحية كاريوكا التى عمل معها قرابة 9 سنوات قدم من خلالها العديد من المسرحيات منها «روبابيكيا» ومسرحية «صاحب العمارة». وصار واحداً من نجوم المسرح القومى يقدم الكلاسيكيات.
عانى «حسنى» كثيراً مثله مثل نجوم المسرح من قلة الفرص التى تضمن له دخلاً مادياً معقولاً، هو الممثل المخضرم صاحب الموهبة، الذى يجيد التشخيص والإلقاء بالفصحى وتتلمذ على يد كبار النجوم وشارك بعضهم فى أعمال بعد تلك الموهبة لذلك تحول للدراما وتحديداً مع بدء نشاط استوديوهات «دبى وعجمان».
حسن حسنى صاحب الوجه اللافت والموهبة الفذة أخذه التليفزيون فى أدوار متعددة بعضها كان لافتاً للانتباه ويصعب نسيانه، ومنها «أبنائى الأعزاء شكراً»، ومن بعده قدم المئات من الأدوار.
كان حسن حسنى يعمل ويجرى من موقع تصوير لآخر، ولكنه فى ظنى كان دائماً ما يشعر أنه ينقصه الكثير وأن هناك نداهة أخرى يجب أن يذهب إليها ويتألق من خلالها، وهى السينما، وكانت فرصته الحقيقية فى العمل مع المخرجين الجدد أصحاب مدرسة الواقعية الجديدة فى السينما وهم محمد خان، وعاطف الطيب، وغيرهما، حيث تميز فى أفلام «الكرنك» لعلى بدرخان و«زوجة رجل مهم» لمحمد خان، و«البرىء»، و«سواق الأوتوبيس» لعاطف الطيب و«سارق الفرح» لداود عبدالسيد، ومع رأفت الميهى «ميت فل»، ومع رضوان الكاشف فى «ليه يا بنفسج»، ودور البورسعيدى الذى لا ينسى فى «ناصر 56» للمخرج محمد فاضل.
تألق «حسنى» مع الكثير من المخرجين وقدم العديد من الأدوار وقد يكون ظاهرة فريدة فى تاريخ الفن المصرى الذى عمل مع أجيال متنوعة من النجوم والمخرجين والمؤلفين، ولكن تظل تجربة حسنى مع «مخرجى الواقعية الجديدة» هى أهم أدواره التى كان يتباهى بها كممثل، ومعها شعر أن موهبته قد اكتملت، وأن مشواره به العديد من المحطات المهمة وبسببها صارت له خمسة أفلام فى قائمة أهم 100 فيلم مصرى، بعيداً عن أفلام الموجة الكوميدية التى قدمها مع محمد هنيدى، وأحمد حلمى، وعلاء ولى الدين، ومحمد سعد. وبعيداً أيضاً عن الألقاب التى كانت تطلق عليه ومنها «قشاش السينما والفيديو والمسرح» لتفوق قدراته التمثيلية، فكان بسهولة يتقمص الأدوار وكأنها حياته، و«المنشار» لكثرة مشاركاته فى الأعمال الفنية.