كان من حسنات الجدل الذى ثار حول شخصية شهيد الفكر د. فرج فودة، أنه أعاد الاهتمام إلى شخصية فرج فودة الذى اغتالته الجماعات الإرهابية عام ١٩٩٢، وسلط الضوء على مناظرته الشهيرة فى معرض الكتاب، التى اغتيل بعد أسبوعين اثنين منها، إثر فتوى للدكتور عبدالغفار عزيز، رئيس جبهة علماء الأزهر، لقد كان من اللافت أن الثلاثة الذين ناظروا فرج فودة فى معرض الكتاب كانوا ينتمون إلى أفكار جماعة الإخوان المسلمين، فالشيخ محمد الغزالى كان وكيلاً للجماعة فى الأربعينات قبل أن يستقيل منها ليس احتجاجاً على أفكارها، ولكن رفضاً لتولى المستشار حسن الهضيبى منصب المرشد العام للجماعة، بينما هو قادم من خارج صفوفها، وقد أصبح الشيخ الغزالى فى ما بعد وكيلاً لوزارة الأوقاف المصرية، وواحداً من رموز المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر، وكان العضو الثانى فى جبهة أنصار الدولة الدينية د. محمد عمارة الذى عُرف بأنه مفكر إسلامى مستقل، وإن كان من أنصار الجماعة كما كشفت مواقفه دائماً، وقد قامت ثورة ٣٠ يونيو وهو رئيس لتحرير مجلة الأزهر، وعضو فى هيئة كبار العلماء، وقد وصف ثورة ٣٠ يونيو بأنها انقلاب، وعبّر عن تأييده لجماعة الإخوان المسلمين، أما الطرف الثالث فكان المستشار مأمون الهضيبى المتحدث الرسمى باسم الجماعة، التى صار مرشداً لها فى ما بعد، ولعل المفارقة هنا أن داعية فى وزارة الأوقاف المصرية كان يرفع راية المطالبة بدولة دينية، وهو ما ينطبق نفسه على د. محمد عمارة المقرب دائماً من المؤسسة الأزهرية، ولعل فى هذا إحدى مآسى الدولة المصرية منذ عام ١٩٧٠ على الأقل، حيث كان دعاة الدولة الدينية يمارسون عملهم فى هدم الدولة المدنية، والتبشير بدولة الإخوان على مرأى ومسمع من الجميع، وكان الدعاة المنتمون إلى جماعة الإخوان مثل محمد الغزالى والسيد سابق وإبراهيم عزت، ثم عمر عبدالكافى وعمرو خالد فى ما بعد يلعبون هذا الدور على مرأى ومسمع من الجميع، وحتى يكون الأمر واضحاً للجميع فإنه ليس مطلوباً من الدولة المصرية أن تخاصم الدين أو المتدينين، حيث إن الوسطية إحدى سمات الدولة المصرية منذ ثورة يوليو، لكن غير المقبول هو السياسات التى أقرها الرئيس السادات بمنح جماعة الإخوان مساحات واسعة للتأثير، تحت ستار ممارسة بعض أعضائها للدعوة الإسلامية، وهى السياسات التى استمرت بعد اغتيال الرئيس السادات على يد جماعة خارجة من رحم جماعة الإخوان المسلمين، كانت المأساة فى هذا الخطاب الدعوى الذى يبشر بالدولة الدينية، حتى لو لم يكن أصحابه أعضاء منظمين فى جماعة الإخوان المسلمين، لقد أثمر هذا التيار ثماراً سياسية رأينا بعضها فى صعود واحد من جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الرئاسة فى مصر.. وللأسف فإن لهذا التيار الذى يخلط بين الدعوة الدينية والدعوة للدولة الدينية آثاراً وامتدادات فى المجتمع حتى الآن.. لا يجادل أحد فى أن من حق التيار المحافظ فى مصر أن يعبر عن نفسه، لكننا ندق جرس الإنذار حين يتورط أعضاء هذا التيار فى تكفير الآخرين كما حدث مع فرج فودة، أو فى الخلط بين الدين والدولة الدينية كما فعل بعض الدعاة طوال أربعة عقود، وكما يفعل البعض الآن.