داعش والكورونا والسبع أرواح
كلما تغير مربعٌ من تلك المربعات الكثيرة التى تتكون منها صورة العالم فى ظل الوباء العالمى، أسرعتُ من فورى أبحث عن أخبار داعش، فبينما حطت الجماعة سلاحها مؤقتاً فى بداية الوباء..
فمن ناحية، تستغل فلول التنظيم جلوس الشباب أغلب الوقت إلى حواسيبهم، وكما ينصح المتخصصون فى عالم المال والأعمال الشركات باستغلال ذلك الوضع الاستثنائى، فإن الرؤوس المدبرة للتنظيم تعمل فى الاتجاه ذاته، مكثفة الحشد ووسائل التجنيد الافتراضى، من ناحية أخرى، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية فى المنطقة من جراء الإغلاق شبه الكامل للأنشطة الاقتصادية، سيكون من السهل -على الأقل- تجنيد الشريحة التى ستحركها الوعود بالمكسب المالى السريع، فى مقابل تقديم خدمات لوجيستية لتسهيل حركة التنظيم على الأرض.
ناهيك عن الذئاب «المنفردة وعمليات الذئاب المنفردة المحتملة»، التى لن يوقفها وباء ولا يحزنون، فهؤلاء لا تحركهم إلا رؤوسهم، ورؤوسهم وحدها، ودعونا لا ننسى أن الدراسات الحديثة فى هذا المجال تشير إلى كون منفذى هذا النوع من العمليات الإرهابية تحديداً يميلون إلى العزلة ويكونون على الأرجح منفصلين عن محيطهم، ومصابين بخلل ما فى استيعابه لمعطيات البيئة المحيطة به.
وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك التخوف المحتمل (والمشروع فى تقديرى) من أن العقل الداعشى الشيطانى قد يوسوس باستهداف الطواقم الطبية للبلاد بوصفها خط المواجهة الأهم، والرصيد الحقيقى ومدعاة الفخر لدى الأمم فى هذه الأزمة، فإنه يبدو أن «داعش» قد يكون تنظيم السبع أرواح الذى يستعيد شيئاً من قوته على الأرض مستغلاً أزمة الإنسانية الكورونية المربكة هذه.
بيروت
متى زرتُ بيروت؟ على الأرجح فى ٢٠٠٩.. كنتُ أشارك فى نشاط بحثى تنظمه اليونسكو، وكانت زيارتى الأولى للمدينة.. ما زلتُ أذكر كيف جلست وزملائى من الباحثين الشباب من جنسيات مختلفة أمام مائدة عامرة بأحد المطاعم البيروتية، يضع السفرجية أمامنا أطباقاً من كل صنف، فيتذوق كل منا بحذر قبل أن يعطى تقريراً من كلمة واحدة مع إشارة البدء لباقى القطيع أن يهجموا، فهذا طبق شهى أو ذاك حُلو أو حار أو مالح.. حذر ثم مرح ثم «امممم ديليشاس!» وهكذا حتى امتلأت بطوننا قبل أن نفاجأ أن الأطباق الكثيرة المغامرة لم تكن إلا مقبلات ستليها الأطباق «الحقيقية»!
وبعد امتلاء البطون تأتى لحظات الهوس النسائى، حيث تبدأ الفتيات منا فى الهرولة من محل ملابس إلى آخر.. وبينما كان يقف الذكور منّا متصبرين بالتدخين على الملل الذى يصاحب فقرة الشوبينج، كنت نحن نجرب الباروكات الفاقعة الألوان على رؤوسنا وأصباغ الخدود والشفاه ضاحكات، عالمات أننا فى نهاية المطاف باحثات شابات لا تسمح ميزانياتنا البائسة بشراء الأثواب البيروتية الأنيقة التى نراها على المانيكانات الرشيقة تلك، وقد كنت وقتها أتقاضى راتب متدربة بالكاد يغطى نفقات سكنى وأرغفة الخبز وعلب التونة (أو الجُبن الهولندى فى أيام الترف)، متحفظةً بكبرياء مراهق على الاستعانة بمساعدات بابا -رحمه الله- المالية.
منذ أكتوبر الماضى، مع أحداث لبنان وما اعترى ميادينها واقتصادياتها، جراء الاعتصامات ومن بعدها الجائحة التى أتت على ما تبقى من أمل فى استعادة عافية البلد الصغير الجميل، وكلما طالعتُ صور بيروت تحديدا على وكالات الأنباء، يرفض عقلى إدراك صور بيروتية بخلاف تلك المرحة التى أختزنها بالفعل، مكررا على: لن نعود إلى بيروت إلا بعد أن يمدوا لنا السفرة العامرة ذاتها مرة أخرى...
العيدية
بعيداً عن كل الأشياء والأحداث، وذلك الكوكب الذى لا يكف عن الدوران بالخوف والوباء والرجاء والصلوات، بعيداً عن كل هذا تشغلنى العيدية!
يقولون اليوم إن العيدية تنقل الفيروس التاجى اللعين الذى علّمنا مؤخراً أن نغلق أبوابنا، ونحتاط من حضن أحبائنا، وأن نكتفى بالمعايدات الإلكترونية والعيديات الرمزية…
وكواحدة من مواليد ثمانينات القرن الماضى، يصعب علىَّ تصور العيد من دون عيدية..تلك الأوراق الجديدة اللامعة التى كانت الجدات والخالات يمررنها فى أيدينا، من جنيه إلى خمسة جنيهات، أنيقة ملونة تعدنا بشراء شىء ما على مزاج طفولتنا، دون رقابة مالية من عائلاتنا. فهل نطلب عيدية هذا العام من فئة «البيتكوين» الافتراضية؟!