تعليقاً على مقالنا المنشور فى هذه الصفحة تحت عنوان «البرلمان فى زمن الكورونا»، وفى رسالة عبر الواتس آب، يقول الصديق العزيز المستشار الجليل رفعت صقر، رئيس محكمة الاستئناف: «آعتقد أن الرأى العام القانونى لن يتساهل فى معنى العلانية، سواء فى جلسات المحاكم والنطق بأحكامها أو فى جلسات مجلس النواب.. فلقد ألفنا المعنى والمقصود منها عندما يتحقق الوجود المكانى فى زمن معين فيكون متاحاً للمتقاضين الوجود فى قاعة المحكمة لسماع القاضى وهو ينطق بحكمه.. ويوجد حد معين من الحضور لأعضاء مجلس النواب مما يصح به اجتماعهم فى زمان ومكان معين.. وتغيير معنى العلانية بإضافة صورة أخرى كالانعقاد الإلكترونى من خلال أداة تشريعية يمكن معها قبولها... بعض الزملاء القضاة لديهم أحكام جاهزة للنطق بها ولكن العلانية التى قصدها المشرع لا يمكن أن تتحقق لعدم السماح بحضور المتقاضين.. وفى بلاد أخرى يمكن للرأى العام القانونى أن يتقبل العلانية بغير تشريع بتحقق الغاية». والواقع أن علانية جلسات المحاكم ضمانة أساسية ورد النص عليها فى المادة (187) من الدستور، بنصها على أن «جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية». وعلانية الجلسات مبدأ عام واجب التطبيق على القضاء بكافة أنواعه، يستوى فى ذلك القضايا المدنية والجنائية والإدارية وغيرها. وقد ورد النص على هذه الضمانة فى كل من قانون السلطة القضائية (المادة الثامنة عشرة) وقانون المرافعات المدنية والتجارية (المادة 101) وقانون الإجراءات الجنائية (المادة 268). ولكن، وفى اعتقادنا، أن العلانية متطلبة فقط فى حالة نظر الدعوى موضوعياً، فلا تلزم العلانية عند نظر الطعون بالنقض، ما لم تنظر المحكمة الموضوع. كذلك، فإن العلانية غير قائمة وغير متطلبة فى الحالات التى يقرر فيها القانون نظر الدعوى فى غرفة المشورة. حيث يقتصر الأمر فى كل هذه الحالات على بحث مسائل قانونية أو مسائل إجرائية، دون أن تقوم المحكمة بنظر الموضوع. كذلك، يخول المشرع للقاضى أن يقرر سرية الجلسات، مراعاة للنظام العام والآداب. ومن ثم، لا تثور أدنى إشكالية فى كل هذه الفروض. ولكن، تنشأ الصعوبة وتثور الإشكالية فى الحالات التى تنظر فيها المحكمة موضوع الدعوى، دون أن يكون ثمة ما يدعو إلى سرية جلساتها. ففى هذه الحالات، ينبغى أن يتم نظر الدعوى فى جلسات علنية، الأمر الذى يتحقق فى الظروف العادية من خلال تمكين جمهور الناس من الاطلاع على إجراءات المحاكمة والعلم بها، والسماح لهم بدخول قاعات الجلسات والاطلاع على ما يتخذ بها من إجراءات، وما يدور فيها من مناقشات. فلا يكفى إذن مجرد حضور المتقاضين أنفسهم، وإنما ينبغى أن يكون فى مكنة غيرهم من عموم الناس الحضور أثناء انعقاد الجلسات. ولما كان حضور الجمهور فى القاعات، مع ما يؤدى إليه ذلك من التزاحم فى القاعات، يتعارض مع مبدأ التباعد الاجتماعى الواجب اتخاذه فى مواجهة جائحة كورونا، لذلك قد يبدو من الضرورى قصر دخول الجلسات على أصحاب الشأن ومحامييهم فقط، الأمر الذى أكده معالى المستشار رئيس محكمة استئناف القاهرة، فى مداخلة تليفزيونية على قناة الحدث مع الإعلامية لميس الحديدى، تعليقاً على عودة العمل بمحاكم الاستئناف والنقض اعتباراً من شهر يونيو 2020م. ومن ثم، وإزاء قصر دخول الجلسات على المتقاضين والمحامين فقط، فإن التساؤل يثور عن الآليات البديلة لتحقيق علانية الجلسات فى زمن الكورونا.
ونرى أن الحل الوحيد يكمن فى اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة، من خلال النقل الحى لوقائع الجلسات عبر شاشات تليفزيونية تنقل ما يدور فيها إلى خارجها، أو من خلال توفير رابط على شبكة الإنترنت يمكن بواسطته لجمهور الناس الدخول والاطلاع على ما يجرى فى المحاكمات وجلسات التقاضى. وقد تم تطبيق هذه الفكرة فعلاً فى محاكم إمارة رأس الخيمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يتاح لأى شخص حضور جلسات المحاكم عن بعد، عبر الفضاء الإلكترونى، من أى مكان، الأمر الذى يتحقق باختيار رقم القاعة الذكية فى برنامج الاتصال المرئى، حسب كل دائرة قضائية، والدخول على الرابط الإلكترونى بما يسمح له بالاطلاع على وقائع الجلسات ومناقشاتها. ويتطلب ذلك أن يتم تركيب كاميرات نقل حى فى قاعات الجلسات، بحيث يتسنى تسجيل ونقل كل ما يدور فيها من مرافعات ومناقشات. والله من وراء القصد.