هناك ٥ سور تتكرر فيها آيات بعينها، وهى علامة متلازمة مع هذه السور، وهى سورة «الشعراء» وهى سورة «إن ربك لهو العزيز الرحيم»، ثم سورة «الرحمن» وهى الأشهر بينها، وسورة «الصافات» التى انفردت بين سور اسمها فى مقدمتها بعيداً عن الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن، ثم سورة «المرسلات» وهى لها عشر آيات مكررة، ثم سورة «القمر» وهى سورة «يَسّرنا القُرآنَ للذِّكر»، ثم سورة «الأنبياء» وهى سورة «أدخلنا الأنبياء فى رحمة اللَّه».
وتبدأ سورة الشعراء من بين مقدمات الحروف المفردة (ط س م) ومكانها بعد (الآية 7) تبدأ بقاسم مشترك يتكرر بين الفقرات الرئيسية للسورة وهذا الفاصل هو «إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (آية 8) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (آية 9) وذلك بعد السبع آيات الأولى التى اعتبرتها السورة فقرة كاملة عن الكتاب وضيق الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالكفار وضخّمت بشاعتهم أثناء ما كانوا به يستهزئون رغم أنهم لم يلتفتوا لخلق الله للنبات من الأرض كما سيحيى البشر من الأرض، وتشير السورة إلى فقرة جديدة تبدأ من آية (10) «وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» عن سيدنا موسى وقوم فرعون وتنتهى (بآية 65) «وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ» (بآية66) «ثمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ»، ثم قصة سيدنا إبراهيم تبدأ (بآية 69) «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ» (بآية70) «إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ» وتنتهى عند حسرة الكافرين (آية 102) «فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» ثم تلى هذه الفقرة الثانية من سورة الشعراء نفس الآيات المكررة (آية 103) «إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (آية 103) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»، ثم تلى قصة سيدنا إبراهيم قصة سيدنا نوح (بالآية 105) «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ» وتليها (الآية 105) «إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ»، ويسير المنوال كما مع كل الأنبياء فى التكذيب ولكن هذه المرة كانت قسوة قوم نوح فاقت كل أنواع القسوة التى شهدها الرسل كلهم.
ولذلك كان العقاب شديداً غرقاً تاماً لكل البشر ما عدا من حمل نوح معه فى الفلك المشحون استجابة لدعائه «فَافْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الآية 118) فكانت الاستجابة الإلهية سريعة وعنيفة «ثمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ» (الآية 120)، كل من تبقى على الأرض، وجاءت الفقرة المكررة الخاتمة لكل قصة نبى فى سورة الشعراء (بالآية 121) {إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (الآية 122) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»، ثم تلى قصة هود وقوم عاد قصة نوح، فإذا كان «نوح» قال لقومه «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (الآية 150) فإن «هود» قال لقومه أَلا تَتَّقُونَ كما قال موسى لقومه «قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ» (آية11) وكرر هود نفس العبارة وضخمت نهاية قومه بنفس الخاتمة (آية 139) «فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» اختلفت عن فقرات الرسل السابقة.. «فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ» فى أول هذه الآية.
ثم جاء الدور على سيدنا صالح مع قوم ثمود، ونادى عليهم بنفس نداء كل الأنبياء (الآية 142) «إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ» «إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ» (آية 143) «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (الآية 144) ثم يكون الرد منهم بالكفر فيكون العقاب كما هو مع أقوام الكفار بالأنبياء السابقين فى (الآية 158) «فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» ثم (الآية 159) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»، ثم جاء قوم لوط فكذبوا المرسلين (الآية160) «كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ» هناك عدة رسل غير لوط حاولوا معهم حتى الملائكة أنفسهم! وقال لهم نفس العبارة «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (الآية163) وجاء نفس الرد «قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ» (الآية 167) «وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ» (الآية173) فجاء الختام بنفس الآيات المكررة «إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (الآية174) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (الآية 175) ثم يأتى قوم شعيب فتقول لهم نفس الآيات المكررة «إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ» (آية 178) «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ» (الآية 179) فتكون الإجابة نفسها ولكن بتحدٍ أكبر «فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» (الآية 187) فجاء العذاب كالعادة «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» (الآية 189) ثم ختام الفقرة بنفس الكلمات «إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (الآية 190) «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» (الآية 191) وتختتم السورة بالتكليف الإلهى للرسول (صلى الله عليه وسلم) «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ» (آية 214) وتتميز دعوته بما لم يتميز به الرسل الآخرون أنه الرفيق الرقيق العذب اللين مع قومه «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الآية 215) ولأن اللَّه لم يعذب قريشاً ولم ينزل على مكة أو بيوت قريش ما يحرقهم أو يدمرهم أو يخسف بهم الأرض مثل ما حدث مع السابقين وكان عذاب اللَّه للسابقين بالغرق أو الخسف أو الحرق أو الظلة ولم يحدث هذا مع قريش فلم تذكر سورة الشعراء عنهم تكرار نفس الآية «وما كان أكثرهم مؤمنين»، أى تتنبأ السورة بدخول قريش كلها فى الإسلام! «إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ» (الآية 190) واكتف فقط بالتوكل على اللَّه العزيز الحكيم «وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ» (الآية 217).
ثم ننتقل لباقى سور الآيات المكررة فى نفس السورة إلى سورة الرحمن وهى سورة «فبأى آلاء ربكما تكذبان» والحوار مع الإنس والجان بلا تفرقة فى الثواب والعذاب.. «فبأى آلاء ربكما تكذبان».. والآلاء هى النعم فكيف يستقيم ذلك مع آيات العذاب؟ ولكن الآية هنا تشمل البرهان والإثبات فكما برهن الله على نعمه عليهما سيبرهن على نقمه عليهما فكلاهما صدق نعمة جنة النعيم ونقمة شدة الجحيم.
سورة الصافات وهى سورة المحسنين من الرسل مقابل المنكرين من أقوامهم، فأثنت السورة على كل رسول تحمل نكران قومه بصيغة مكررة برباعية.. «وتركنا عليه فى الآخرين، سلام عليه فى العالمين، إنا كذلك نجزى المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين» وبدأت بسيدنا نوح ثم سيدنا إبراهيم الذى أضافت السورة إليه بعد الآيات المكررة للثناء عليه، توضيحاً عجيباً لذرية سيدنا إبراهيم فقالت «وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن» تقصد ذرية إسماعيل من إبراهيم وهو سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) «وظالم لنفسه مبين» وبالطبع من ذرية إسحق بنو إسرائيل وتكاد تقول الآية إنهم أى بنى إسرائيل أوضح من ظلم نفسه، فتاريخهم كله مغالبة وسجال وحوار وتهرب ونكران مع الأنبياء جميعاً.
واستمرت سورة الصافات بنفس تكرار الآيات مع موسى وهارون كثنائى معاً «إنهما من عبادنا المؤمنين» ولكنها مع سيدنا إلياس تؤكد أنه هو نفسه الياسين «إنا كذلك نجزى المحسنين».
سورة «المرسلات» وقد جمعت التكرار بين المجرمين والمكذبين أى أن كل مُكذب بالرسل هو بالضرورة مجرم فتتوعدهم بويل للمكذبين عشر مرات وانطبق عليهم الكذب فى الدنيا والآخرة إلا أنهم بسبب كذبهم فيتم منعهم من الكلام يوم القيامة «هذا يومٌ لا يَنطقون ولا يُؤذَن لَهُم فيَعْتذِرون».
سورة «القمر» هى السورة التى تؤكد انشقاق القمر أمام كفار قريش بعد أن تحدوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعلها فدعا لهم الرسول فاستجاب الله له وهى سورة الذكرى لمن يريد أن يتذكر فتتكرر الآية.. «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ» أى أنواع العذاب التى لا يستطيعون إنكارها من شدة العذاب الذى حدث مع هؤلاء المنكرين ولعل هذا سر تكرار «فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ»، ويليها أن هذا سر القرآن لمن يتعظ «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ».
سورة الأنبياء تلبية لنداء الأنبياء: فنجيناه أو فاستجبنا له وأدخلناه فى رحمتنا، تتكرر مع كل الرسل بداية من سيدنا إبراهيم ومروراً بكل من لوط ونوح وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذى الكفل كلٌ من الصابرين، وذا النون وزكريا ومريم، وتختتم السورة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو ختام من أدخل فى رحمة الله وهو سر من يدخل بعده فى رحمة الله «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، فهى سورة الرحمة للأنبياء وبالأنبياء.