بعد إطلاق 9 رصاصات على المستشار أحمد الخازندار أمام منزله بشارع رياض بحلوان فى مارس 1948 طارد المصريون القاتلين ولم يمنعهم من مطاردتهما القنبلة التى ألقياها على أهالى حلوان، والتى لم تنفجر بل ظلوا خلفهما من كل الاتجاهات حتى أمسكوا بهما، وكانا محمود زينهم ومحمد عبدالحافظ.. ومن شوارع حلوان إلى قسم شرطة حلوان، وهناك أبلغ الأهالى أن المجرمين أطلقا النار على مستشار بالقضاء يصارع الموت أمام منزله، وأنه بتفتيشهما وجد «كارنيه» العضوية بجماعة الإخوان..!
تسلم ضباط قسم حلوان المتهمين لحين حضور النيابة التى أمرت باستدعاء حسن البنا لأخذ أقواله فذهب.. وأنكر معرفته بالقاتلين.. وقال إنه ليس بالضرورة أن يعرف كل أعضاء الجماعة.. وبعدها بأيام أو بساعات أثبتت التحقيقات أن محمد عبدالحافظ هو السكرتير الشخصى للبنا نفسه!
لو اكتفى المجرمان بإطلاق رصاصة أو رصاصتين أو حتى خمس وبقى الباقى وأطلقاه فى الهواء لصرف المتظاهرين ربما ما أمسكوا بهما، ولو ذهبا بلا كارنيهات الجماعة ما عرفوا أنهما إخوان على الأقل فى الساعات الأولى، ولو اختاروا آخر غير محمد عبدالحافظ ما أثبتوا علاقة البنا بالموضوع.. لكنها إرادة الله!
فى يناير 1949 قررت الجماعة تفجير محكمة استئناف القاهرة الموجودة حتى اليوم فى منطقة باب الخلق بالقرب من مديرية أمن القاهرة.. اختارت الجماعة كادرها شفيق إبراهيم أنس الذى جهز له الجهاز الخاص حقيبة سوداء من ذلك النوع الذى كان يستخدمه فى ذلك الوقت المحامون أو فى سفريات اليوم الواحد.. بإحدى المواصلات وصل شفيق أنس إلى أحد المقاهى العريقة الشهيرة الموجودة حتى اليوم بشارع طلعت حرب الذى بقى فيه بعض الوقت وغادر سيراً على الأقدام حتى المحكمة، وهناك حدد أرشيف المحكمة بالقرب من مكتب النائب العام، وهناك تحدث إلى الساعى الموجود وطلب منه الانتباه لحقيبته، حيث سيتركها لدقائق ليصلى الظهر ويعود.. وإمعاناً فى التمويه ترك «الطربوش» الخاص به وغادر.. ولحظات وستنفجر الحقيبة بالمحكمة!
أحد رجال الأمن من الحرس الموجود يسأل الساعى عن الحقيبة فيبلغه بما جرى.. الأجواء المضطربة وقتها بسبب جرائم الإخوان تدفعه للشك ويبلغ الساعى بذلك ويطالبه بفتح الحقيبة بحذر.. القدر جعل القنبلة تبدو من أول نظرة عليها فيحملها رجل الشرطة ويذهب إلى شارع خلفى ويصرخ فى المارة بالابتعاد ويلقى القنبلة التى انفجرت بلا خسائر بشرية.. يتبقى المجرم الذى انطلق رجال أمن المحكمة يبحثون عنه.. ولتسهيل الأمر على الأهالى أبلغوهم أنه يسير بلا «طربوش» فكان وحده فى شوارع القاهرة الذى يسير بغير الطربوش فتوصلوا إليه بعد دقائق معدودة!!
ما الذى كان يريد شفيق أنس نسفه وتفجيره بالعملية السابقة؟ كان يريد تفجير وحرق أوراق قضية السيارة الجيب! فما هى قضية السيارة الجيب؟!
بمنطقة المحمدى القريبة من سوق شهير اسمه «سوق المحمدى» التابع لحى العباسية كان يقيم أحد أهم قيادات الجهاز السرى للجماعة، أحمد عادل كمال.. ولأن الحكومة أغلقت مقر الجماعة بالإسماعيلية لذا أدرك الإخوان أن الأمور إلى التصعيد فقرروا نقل محتويات الشقة إلى شقة إخوانى آخر يقيم فى المنزل رقم 38 شارع جنينة القوادر بالعباسية أيضاً لكنه غير معروف لأجهزة الأمن.. وفى 15 نوفمبر عام 48 توقفت سيارة جيب أمام المنزل بالرقم المذكور تحمل كل أوراق التنظيم السرى، فضلاً عن صناديق قنابل ومتفجرات، وما إن توقفت أمام المنزل المذكور إلا وسألوا عن صاحبهم، وصادف أن سألوا أحد سكان العقار وكان مخبراً فى الشرطة وعلى خلاف مع الإخوانى!! وعندما سمع اسمه اقترب منهم ولمح أن السيارة بلا أرقام.. فصرخ فيهم لهذه المخالفة محاولاً إحداث أى شوشرة، لكنه فوجئ بأحمد عادل كمال والذين معه يفرون من أمامه مسرعين، فاندهش واقترب من أحد الصناديق بالسيارة فوجد المتفجرات والأسلحة، فصرخ طالباً الدعم من الأهالى للقبض عليهم.. ولتحفيز الناس هو أيضاً صرخ أنهم «صهاينة»، وكانت أجواء حرب فلسطين مشتعلة وكانت الصرخة كفيلة ليستجيب كل سكان العباسية وبالفعل قبضوا على ثلاثة وهرب الرابع!
لم يكتف الرابع بهروبه وإنما ذهب إلى ورشة حداد إخوانى قريبة منه وأبلغه بما جرى وطلب منه سرعة الذهاب للقيادى فى التنظيم السرى مصطفى مشهور، مؤكداً أنه سيذهب أيضاً لإبلاغ القيادى محمود الصباغ!
عرف مشهور بالأمر وكان قبلها قد دعا لاجتماع للتنظيم بمنزله، فحمل حقيبة أوراق مهمة تخص التنظيم وقرر تركها أمانة عند قريب له ليس من الإخوان.. وأبلغ أسرته أن يتركوا باب «المندرة» مفتوحاً لمن سيأتى من ضيوف ولم يلغ الاجتماع! وحمل الحقيبة وترك هو أيضاً كل شوارع مصر ليمر من شارع جنينة القوادر الذى كانت الشرطة تحاصر السيارة فيه وتنتظر النيابة للمعاينة وتفتش كل المارة.. ففتشوه.. ووجدوا الحقيقة بما فيها.. وذهبوا إلى بيته.. فوجدوا الاجتماع فى الانتظار.. بل وجاء الهارب الرابع بمحمود الصباغ.. فقبضوا على الجميع!
كثيرة هى قصص الغباء عند الإخوان، ولكن لماذا كانت السطور السابقة؟ ببساطة شديدة لنقول إن هذا الغباء المؤدى إلى المهالك ظل سمة الجماعة وبقى طريقة إدارتها والتحكم فى الأمور فيها حتى إننا نضطر لنقفز على تاريخ الجماعة فى الخمسينات والستينات وحتى 2013.. لنتذكر معاً كيف كان الغضب العارم فى كل مكان.. ليس على المستوى الشعبى فقط وإنما عند قطاعات مهمة فى مصر.. فقضاة مصر الشرفاء لم يكن غضبهم سرياً ولا خفياً ولا خافياً عن أحد.. وأى طفل صغير يلمحه.. وكان غضب الشرطة ليس سرياً ولا خفياً ولا خافياً، ليس عند حدود صغار الضباط فقط ممن امتنعوا عن حماية مقرات الإخوان فحسب، وإنما عند وزير الداخلية نفسه اللواء أحمد جمال الدين، الذى رفض قمع المظاهرات الغاضبة بمحيط الاتحادية وأماكن أخرى ولا معاقبة ضباطه ممن رفضوا حماية مقرات حزب الإخوان، رغم أن الحزب السياسى طبقاً للقانون مؤسسة رسمية حتى لو كان حزباً معارضاً، فما بالكم بمقرات الحزب الحاكم وقتها!
أما القوات المسلحة فأصغر رضيع كان أيضاً يلمح غضبها وغضب قياداتها.. كنا أمام مؤسسة عسكرية ووزير دفاع يرفضون نقل محتويات ضريح جمال عبدالناصر بقرار إخوانى انتقاماً منه حتى فى قبره، وحمت القوات المسلحة الضريح ومحتوياته، ونقف أمام وزير دفاع وقتها يدعو فى نوفمبر 2012 القوى الوطنية للحوار دون إذن من أحد، رغبة فى إنقاذ الموقف، مما دعا خيرت الشاطر إلى رفض الموضوع فرفضه مرسى! ثم تصريحات علنية من الانحياز للشعب إذا استدعى الشعب قواته المسلحة ثم الدعوة العلنية لإجراء انتخابات مبكرة إلى آخر ما جرى فى 30 يونيو ونعرفه وتعرفونه ورفضه الإخوان كله!! دون قراءة المشهد قراءة جيدة أو حتى قراءة نصف جيدة ليكون الغباء الإخوانى نقمة على الجماعة بالطبع، ونعمة على مصر وشعبها وعلى العالم كله!
إنه قدر الله وقضاؤه.. ولا راد له.. حتى لو كانت هناك محاولات أمريكية مستميتة لإنقاذ الجماعة الغبية!