نعيش فى الحياة لنتعلم من تجاربنا وتجارب الآخرين ومن قصصهم ومدى تأثيرها علينا ودخولها قلوبنا وتغلغلها فى مسامعنا وامتلاء رئتينا بعطور أصحابها ورائحة نجاحاتهم أو العكس وملمس أوجاعهم. ومن أثر وصدى كل تلك التجارب تخرج الكلمات النثرية العذبة وقصائد الشعر والألحان والأغانى والكتب واللوحات البديعة وكل صور الجمال. وفى إحدى القصص التى تركت داخلى علامة لا تنسى قالت السيدة الشابة: «رفضت أن أصبح أماً بعد أن رأيت وأحسست وعشت وتألمت وتمنيت الموت فى لحظات ضعف شديد عندما شاركت أمى حزنها على فقد أخى الشاب، فقد أدركت وقتها، وقد كنت فى مقتبل الحياة وعمر الزهور، أن الله لم يخلق قلباً رقيقاً يفرح ويتألم ويبكى بدموع من دم إلا قلوب الأمهات، فقررت أن أتخلى عن نصيبى فى الفرح والاستمتاع بكلمة ونداء ووصف ولقب تنتظره الأنثى من يوم ولادتها وتظل تمارسه فى ألعاب طفولتها وصباها حتى أتحصن من ذلك الوجع الذى لا يعادله شىء فى العالم أن فقدت إحدى فلذات كبدى كما حدث مع أمى». ولأن هذه الحكاية تركت بصمة وفكرة وألماً داخلى لم أتخلص منه حتى الآن، فقد عادت مع تلك الجائحة لتؤكد لى أنه مع مرور الأيام والسنوات والتجارب والانتقال من واحدة لأخرى وتبادل الأدوار، فإن هناك حقيقة لا تتغير ولا يمكن أن نناقشها، وهى أن لدينا هبة إلهية -ألا وهى- ذلك النوع النادر الثمين اللانهائى المتفانى المذهل من الحب الذى ينزله الله فى خلايا جسد النساء مع هرموناتهن فيملكن تلك القدرات الخارقة على العطاء بجميع صوره وتلك القوة على احتمال ما لا يستطيع أى مخلوق على وجه الأرض تحمله، وتقديم ما تملك وما تستطيع وما قد يُحملها فوق إمكانياتها من تضحيات ومجهود وحراك وتفكير وبحث واكتشاف واهتمامات وأداء وتفانٍ. وعن قلوبنا فى تلك اللحظات التى تعيشها (لحظات القلق) التى يصفها أطباء القلب بأنها أهم عضو فى جسم الإنسان، لأن نبضاتها ودقاتها تتم بقياس وبتوقيت متناغم، وقد يتعرض هذا التناغم لاختلال فيه فتتسارع أو تتباطأ حسب العوامل المؤثرة فيه. أقول إنه أصبح واضحاً أن قلوبنا جميعاً تعيش حالة من الاضطراب خوفاً وهلعاً على ساكنيها حتى إن الأطباء يؤكدون أن أغلبنا يعانى حالياً مما يطلق عليها (اضطرابات تحولية) وهى رد الفعل السريع لما حدث فى حياتنا من تغيير مفاجئ وصراعات نفسية. لهذا لا بد من الحفاظ على (دقات قلوبنا) وأعنى بها صغارنا، فتعبيرهم عن القلق يؤلمنى ويوجعنى، وكلماتهم الصغيرة التى تحكى قصة الفيروس الذى هاجم أحلامهم وحرمهم من مدارسهم وألعابهم وعائلاتهم الكبيرة وأصدقائهم وحياتهم واقتحم قاموسهم اللغوى وتوقعاتهم وشاركهم لحظات التأمل والتفكير وقفز بهم سنوات وأضاف لأعمارهم أرقاماً لم يعيشوها ودفع بهم لتجارب مؤلمة ولوّن أيامهم بألوان قاتمة وأذاقهم أطعمة وعقاقير وقائية بحثاً عن الأمان والنجاة -كل هذا- يؤلم قلوبنا ودقاتها. فلنحتضنها ونهدهدها ونسمعها أصواتاً عذبة، ونبعد عنها كل ما يقلق أو يؤلم، ولننفذ النصائح التى ذكرها «ديل كارنيجى»، مؤلف كتاب «دع القلق وابدأ الحياة»، بأن نتناسى الأحداث العنيفة ونعود للذكريات والصور المبهجة لنزيل عن نفوسنا الكرب ونجنِّب أجسادنا وأطفالنا الاضطرابات المهلكة.