كلمة سامح شكرى، وزير الخارجية، فى اجتماع مجلس الأمن لمناقشة شكوى مصر ضد الأداء التفاوضى لإثيوبيا فى ملف سد النهضة، أصابت الهدف بدقة، وظنى أنها شفت صدور المصريين الذين تابعوا عن كثب المفاوضات الجارية خلال السنوات الماضية، التى ظهر فيها التعنت الإثيوبى واضحاً جلياً. كلمة «شكرى» أكدت دون أى مواربة أن قضية المياه بالنسبة لمصر قضية وجود، وأنه إذا كان ساسة إثيوبيا يبررون لأنفسهم بناء هذا السد الضخم لتحقيق أهداف تنموية، فالواجب عليهم تفهم أن صانع القرار المصرى يدافع عن قضية وجودية تتصل بحياة أكثر من 100 مليون مواطن، يشكل النيل بالنسبة لهم المصدر الأساسى للحصول على المياه.
كلمة ممثل إثيوبيا فى الاجتماع جاءت مرتبكة ومتحدية وغارقة فى «سردية تاريخية» تكشف مكنون ما يدور فى العقل الإثيوبى من رغبة دفينة فى تصفية حسابات قديمة تخيّل إليهم أن مصر تريد فرض إرادتها عليهم كما تعودت عبر التاريخ. ساسة إثيوبيا يوهمون أنفسهم وشعبهم بذلك. فقد سبق وغزاهم «الطليان» أيام حكم موسيلينى، فهل يبرر لهم ذلك أن يتجهوا إلى الثأر من إيطاليا اليوم؟!. حسابات العقل تفرض على الإثيوبيين ضرورة الاستجابة للحل التفاوضى الذى يحفظ لكل من مصر والسودان حقهما فى المياه، وحق إثيوبيا فى التنمية دون جور على غيرها.
أجاد وزير الخارجية حين أكد على الإشارة إلى الـ100 مليون مصرى الذى يراقبون مسارات تطور قضية الحفاظ على حق مصر فى مياه النيل. فالنهر الخالد ليس مجرد مجرى مائى يميل بمحبته على أرض مصر فيكسوها بالخصب والخضار، إنه فكرة وتاريخ وجغرافيا، هو ماض وحاضر ومستقبل، هو حياة ونماء وصورة تحفظها ذاكرة كل طفل وشاب وكهل يسعى فوق أرض مصر. النيل بهذه الكيفية ليس قضية سلطة تحكم، بل قضية شعب، قضية ملايين البشر الذين يمكن أن يتسامحوا فى أى شىء، لكن هيهات أن يتنازلوا عن ماء المحاياة بالنسبة لهم.
لقد أكدت كلمات مندوبى الدول بمجلس الأمن فى أغلبها على رفض «التصرفات الأحادية». فى وقت رد فيه مندوب إثيوبيا على ذلك بحديث عجيب عن أن مجلس الأمن ليس هو المكان الذى يناقش فيه هذا الملف!. أزمة بين 3 دول حول الاستفادة من نهر دولى يجرى فيما بينها.. نهر تحكمه قوانين دولية.. أين يمكن أن تناقش أى مشكلة تتعلق به؟!.
أتصور أن مصر نجحت إلى حد كبير فى الخطوة التى سلكتها بالتحرك نحو مجلس الأمن، وجوهر هذا النجاح يتحدد فى تعرية إثيوبيا أمام العالم كله وأمام أكبر مؤسسة أممية، وداخل المجلس المسئول عن إدارة السلم والأمن الدوليين.
المواقف الآن أصبحت محددة وواضحة. مصر ستحمى حقها فى ماء النيل، وهى تملك الأدوات التى تساعدها على ذلك. موقف السودان من موقف مصر فى ضرورة إيجاد حل ملزم قانونياً ورفض أى تصرف أحادى من جانب إثيوبيا. أما الأخيرة فموقفها واضح أيضاً.. إنها تحارب أشباحاً فى رأسها.