ليس هناك حلم بعيد المنال، ولا حتى قريب المنال، لكنه القدر أحياناً يُحدث العجب، فتتحقق الأحلام، وتقترب الأمنيات.
قبل سنوات ليست بالبعيدة، كنت أهاتف الصديقة أميرة ملش وكان كل منا ينظر إلى شاشة التلفاز، يشاهد أحداثاً تجرى فى تونس، وقتها قلت لها نصاً: «لو أن اثنين من الزملاء فى مكان ما يتحدثان بالتليفون ويشاهدان الثورة المصرية ويقولان هل من المعقول أن تحدث عندنا»، ثم انحرف الحديث نحو العمل.
بعد أسابيع كان ما تمنيته تحقق، لكنّ أموراً أخرى لم تكن بالحساب قد حدثت، وخرجت الأمور عن السيطرة، وبات اللجام فى يد آخرين، أسقط البعض الثمرة بين أقدامهم، فالتهموها وحدهم.
لتدور الأيام، ويجرى اتصال بينى وبين أميرة مرة أخرى، ونحن نشاهد أحداث الاتحادية، لكن هذه المرة كانت هى القائلة: «لو أن اثنين من الزملاء فى مكان ما يتحدثان بالتليفون ويشاهدان ثورة تعيد البلد إلى أصحابها، وتعود حياتهم التى سلبت منهم، ويقولان هل من المعقول أن نسترد بلدنا كما فعل المصريون»، ثم انحرف الحديث نحو العمل.
بعد أيام كان ما تمنته يتحقق، واستعدنا بلدنا، وحياتنا، وسكن الوعى والصبر والحكمة قلوب الكثير منا.
فى اليوم التالى، أمسكت الهاتف وتحدثت مع أميرة وقلت لها لو أن هناك اثنين من الزملاء فى مكان ما يتحدثان بالتليفون ويشاهداننا مليونيرات، هل من المعقول أن يحدث لنا نفس الشىء» ثم انحرف الحديث نحو العمل.
انتظرت أياماً وأسابيع وشهوراً ثم سنوات، ولم تأتِ الملايين، ولا حتى الألوف، بل أتى العكس مهرولاً.
جاءنى ابنى يطلب منى أن أستمع لدرس دينى يقدمه شاب جديد، قلت له إوعى يكون «عبدالمعز محمود»، فضحك وقال لا، قلت له إوعى يكون «مصطفى عبدالمحسن» فضحك أكثر وقال لا، وقبل أن أبادره بسؤال جديد قال لى اسمه ياسر ممدوح.
وسبحان الله ما إن فتح لى قناته على يوتيوب، حتى وجدت نفسى أهم أن أفتح فيديو معيناً، فإذا بابنى يقول لى: «بلاش ده.. فيه واحد تانى أحسن»، فابتسمت ابتسامة صفراء شريرة، واستمعت للفيديو الذى يريد، وأنا ألجم نفسى عن الضحك.
كان الدرس بعنوان 40 معلومة عن الصلاة، فتوقعت أن يكون الفيديو على 40 جزءاً، فقلت: «مين اللى ح يصبر علشان يتفرج على درس واحد فى 40 جزء» فنظر إلىّ شزراً، وقال أربعين إيه؟ وأجزاء إيه؟، ده كله فى فيديو واحد.
ما إن بدأ الفيديو حتى عطست، فوجدت الفيديو قد انتصف ومرت 22 معلومة كالبرق، لكن ولله الحمد والمنة، التقطت كرادار المرور بقية الـ18 معلومة، وقلت فى نفسى إن الوقت الذى كان سيستغرقه الشيخ سيد طنطاوى، رحمة الله عليه، فى شرح سورة «الصمد»، لأنهى فيه الأستاذ الداعية «ياسر مسموح» شرح تفسير ابن كثير وعدة أجزاء من البداية والنهاية.
انتهى الدرس الدينى، «كبربشة جفن» فلم يزد وقته على دقيقتين وخمسين ثانية، وكان أسرع درس دينى فى التاريخ، أو هكذا اعتقدت خطأ، فقد صحح لى ابنى المعلومة، وأخبرنى بأن هذا الدرس طويل «حبتين»، هناك دروس أخرى مدتها دقيقة وعشرون ثانية، قلت: «سبحان الله، ويخلق ما لا تعلمون، ده مش درس ده شكة دبوس».
بعد نحو ساعة عدت للفيديو الذى طلب منى ابنى تركه، وهنا وجب أن أحذر أن الجزء القادم، سيكون صعباً ومؤلماً على أصحاب الأنوف الحساسة.
كان عنوان الفيديو 40 معلومة عن الوضوء والطهارة، ومدة الدرس طويلة جداً هذه المرة، فهو يستغرق ثلاث دقائق وست وأربعين ثانية.
كان من ضمن الدرس، ماذا لو أن أحداً أخرج ريحاً وهو يصلى؟ وبدلاً من أن يطلب منه إعادة الصلاة من «سكات» لا، أخذ الداعية الأستاذ «ياسر مسموح» بتحليل الريح، وقال إذا كان الريح بصوت عالٍ، أو برائحة (أى والله) فعليك أن تخرج من الصلاة وتتوضأ من جديد، أما إن كان بدون رائحة أو بصوت مكتوم، فأكمل صلاتك عادى.
أقول للأستاذ «ياسر مسموح»، بأن يكمل حياته عادى، حتى لو أخرج ريحاً بصوت أو ريحاً برائحة، لكن عليه أن يبتعد عن الدين، فله أهله، ومش ناقصينك الله يرضى عليك.