فى يوم الاثنين، الموافق الثانى والعشرين من يونيو الماضى، وبمناسبة زيارة الرئيس التونسى قيس سعيد إلى الجمهورية الفرنسية، عقد الرئيسان مؤتمراً صحفياً فى حديقة قصر الإليزيه، ويبدو أن القضية الليبية كانت هى الموضوع الأهم على أجندة الزيارة، حيث قال الرئيس التونسى إن بلاده لن تقبل أبداً بتقسيم ليبيا، وأن هذا التقسيم خطر على المنطقة كلها، مؤكداً أن بلاده مع الحل الليبى - الليبى ومع وقف فورى لإطلاق النار وعدم تدخل أى جهة أجنبية. وأضاف الرئيس التونسى أن «السلطة القائمة فى طرابلس تقوم على شرعية دولية، ولكن هذه الشرعية الدولية لا يمكن أن تستمر.. هى شرعية مؤقتة ويجب أن تحل محلها شرعية جديدة.. شرعية تنبع من إرادة الشعب الليبى». وللتأسيس لهذه الشرعية الجديدة، اقترح الرئيس التونسى عقد لقاء بين جميع ممثلى القبائل الليبية، بهدف صياغة دستور مؤقت، يسمح بتنظيم السلطات العامة فى البلاد، ثم إعداد دستور جديد يقبله كل الليبيين.
والواقع أن هذه التصريحات تشكل تطوراً إيجابياً يستحق الإشادة، رغم امتعاضى الشخصى من أن الرئيس التونسى يتحدث دائماً عن التنسيق مع الجزائر وقطر وتركيا، ولم يذكر مرة واحدة قيامه بالتنسيق مع مصر، ورغم أن توجهات الرئيس التونسى فى مجملها ما زال يكتنفها الشك والريبة. ففى اعتقادى أن الحل فى الشقيقة ليبيا يبدأ عبر نزع الشرعية عن حكومة فايز السراج، التى قامت باستدعاء المحتل التركى، وجعلت الأراضى الليبية مرتعاً للمرتزقة والميليشيات الإرهابية من كل حدب وصوب. هذه الحكومة التى تطلق على نفسها ويطلق عليها المجتمع الدولى اسم «حكومة الوفاق» هى فى الحقيقة «حكومة الشقاق». وإذا كان الرئيس التونسى قد استخدم عبارات دبلوماسية عند وصف شرعية هذه الحكومة بأنها «مؤقتة»، فالصحيح هو أن هذه الشرعية قد انتهت، ولم يعد لها وجود طبقاً لسند إنشائها ذاته. بيان ذلك أن اتفاق الصخيرات الموقع فى السابع عشر من ديسمبر 2015م يحدد المبادئ الحاكمة له، مؤكداً أن: «يحتكم هذا الاتفاق وتنفيذه وتفسيره إلى المبادئ التالية: 1. الالتزام بحماية وحدة ليبيا الوطنية والترابية وسيادتها واستقلالها، وسيطرتها التامة على حدودها الدولية ورفض أى تدخل أجنبى فى الشئون الداخلية الليبية. 2. الالتزام الكامل بالإعلان الدستورى والعملية السياسية المبنية على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة، 10. الالتزام بأن مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة فى البلاد خلال الفترة الانتقالية، 15. احتكار الدولة للحق الحصرى فى الاستخدام المشروع للقوة، 20. الالتزام بتطبيق القرارات الصادرة عن السلطة التشريعية بشأن حل ودمج التشكيلات المسلحة فى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وإعادة تأهيل منتسبيها بما يتماشى مع المعايير والممارسات الدولية. 21. الالتزام بإخلاء جميع المناطق السكنية والمقرات المدنية والعسكرية من جميع التشكيلات المسلحة، 32. المحافظة على الثروات الطبيعية والموارد الوطنية ومؤسسات الدولة الاقتصادية والمالية المملوكة لكل الليبيين واستثمارها لصالحهم ولصالح الأجيال القادمة، وعدم جواز التحكم أو التصرف فيها إلا من قبل السلطات الرسمية للدولة ووفق التشريعات الليبية النافذة ذات الصلة وعدم إقحامها فى أى نزاع سياسى». وباستدعائها المحتل التركى، تكون هذه الحكومة منزوعة الشرعية قد انتهكت على نحو واضح وصريح اتفاق الصخيرات. وقد تم هذا الاستدعاء بدون موافقة مجلس النواب الليبى، الأمر الذى يعكس نهج التفرد بالسلطة والانتهاك الصارخ من هذه الحكومة لأحكام اتفاق الصخيرات.
ومن ناحية أخرى، فقد جاء هذا الاتفاق إثر خسارة جماعة الإخوان فى الانتخابات التى عقدت فى الخامس والعشرين من يونيو 2014م، التى حصل فيها حزب الإخوان على 25 مقعداً فقط من إجمالى مائتى مقعد. وقد كان المأمول من المجتمع الدولى أن يؤكد ضرورة احترام نتائج الانتخابات، بدلاً من الالتفاف على هذه النتائج من خلال عقد اتفاق يكرس سيطرة جماعة معينة على الحكم دونما سند شرعى. وإذا كان اتفاق الصخيرات يؤكد ضرورة الالتزام بالعملية السياسية المبنية على مبادئ الديمقراطية والتداول السلمى للسلطة، فلماذا لم يتم احترام نتائج الانتخابات التى جرت قبل عام واحد من عقد الاتفاق. ومن ناحية ثالثة، فإن هذه الحكومة من خلال سماحها بسيطرة الميليشيات على صنع القرار فى العاصمة طرابلس واستدعائها للمرتزقة، بمساعدة المحتل التركى، لا يمكن أن تدعى أو تزعم احتكار الدولة للحق الحصرى فى الاستخدام المشروع للقوة. ولا تحدثنى أيضاً عن «المحافظة على الثروات الطبيعية والموارد الوطنية» التى أصبحت غنيمة لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا، بحيث يعول عليها فى مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعانيها تركيا حالياً بسبب مغامرات الرئيس التركى المتهور. وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية، حفظ الله ليبيا الشقيقة من كل مكروه وسوء.