استكمالاً للمقال السابق المعنون «فصل الخطاب فى حكومة الشقاق»، يلاحظ أن المادة الأولى بالبند الثانى من الاتفاق السياسى الليبى الموقع بتاريخ 17 ديسمبر 2015م، والمعروف اختصاراً باسم «اتفاق الصخيرات»، تنص على أن «تشكل حكومة الوفاق الوطنى على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص..». وفى الإطار ذاته، ووفقاً للمادة الثانية بالبند الأول من الاتفاق ذاته، «مع مراعاة مبدأى الكفاءة وعدم التمييز، يتعين توافر الشروط الواردة بالإعلان الدستورى فيمن يعين لعضوية حكومة الوفاق الوطنى». واستناداً إلى هاتين المادتين، يحق لنا أن نتساءل عن المعيار الذى تم على أساسه اختيار «فايز أغا السراج» لرئاسة حكومة الوفاق الوطنى المزعومة. فالمدعو «فايز السراج» لم يسمع به أحد ولم يكن من الأشخاص المعروفين بالنضال أثناء فترة حكم الرئيس السابق معمر القذافى، وليس مشهوداً له بالكفاءة السياسية أو المهنية. وبالاطلاع على السيرة الذاتية المغمورة للسيد السراج، نجد أنه حاصل على بكالوريوس فى العمارة والتخطيط العمرانى سنة 1982م من جامعة الفاتح (الآن جامعة طرابلس)، وماجستير فى إدارة الأعمال سنة 1999م. وفى بداية حياته المهنية، عمل مهندساً فى إدارة المشروعات بصندوق الضمان الاجتماعى، وعمل مستشاراً هندسياً، فكانت له مشاركات بالكثير من اللجان المتخصّصة لدراسة وتصميم المشروعات. كما اتجه إلى العمل الخاص فكان عضواً مؤسساً لمكتب تريبوليس للاستشارات الهندسية.
هذه هى كل المؤهلات التى يتمتع بها المدعو فايز السراج. ولا يمكن لعاقل أن يدّعى أو يزعم بأن حامل هذه المؤهلات والخبرات تتوافر لديه الكفاءة لتولى منصب رئيس الوزراء فى ليبيا الشقيقة. ويبدو أن السبب الأساسى فى ترشيحه للمنصب -كما جرت على ذلك عادة جماعة الإخوان- هو اختيار أحد أعضاء الجماعة غير المعروف انتمائهم، أو كما يطلق عليهم «الخلايا النائمة»، حتى يسهل تمريره وخداع الطوائف السياسية به.
ومن ناحية أخرى، ووفقاً للمادة الثالثة من الاتفاق، «يقدم رئيس مجلس الوزراء، خلال مدة أقصاها شهر من إقرار هذا الاتفاق، قائمة كاملة متوافقاً عليها بأعضاء حكومة الوفاق الوطنى وبرنامج عملها لمجلس النواب لاعتمادها بالكامل ومنحها الثقة واعتماد برنامجها وفقاً للإجراءات المقررة قانوناً خلال مدة لا تتجاوز عشرة (10) أيام من تاريخ تقديمها للمجلس». وعلى حد علمى أن حكومة الوفاق لم تنل قط ثقة مجلس النواب الليبى.
ومن ناحية ثالثة، تجدر الإشارة إلى أن المادة الأولى بالبند الرابع تنص على أن «مدة ولاية حكومة الوفاق الوطنى عام واحد يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس النواب، وفى حال عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها، يتم تجديد تلك الولاية تلقائياً لعام إضافى فقط. وفى جميع الأحوال تنتهى ولاية الحكومة مباشرة فور تشكيل السلطة التنفيذية بموجب الدستور الليبى أو انقضاء المدة المحددة لها أيهما أقرب». والمستفاد من هذا النص أن مدة ولاية حكومة الوفاق سنة واحدة، تمتد تلقائياً لسنة أخرى، فى حال عدم الانتهاء من إصدار الدستور خلال ولايتها. ورغم انقضاء أكثر من أربع سنوات ونصف على تشكيلها، بما يتجاوز بكثير المدة المقررة فى اتفاق الصخيرات، فإن هذه الحكومة ما زالت قائمة.
قد يقول قائل إنه طالما لم تشكل حكومة جديدة، فإن حكومة فايز السراج تستمر فى أداء مهامها طبقاً لعرف دستورى مستقر فى النظم الدستورية كافة، باعتبارها حكومة تصريف أعمال. ومع التسليم جدلاً بصحة هذا الرأى، يغدو من غير المقبول أن تقدم حكومة تصريف أعمال على اتخاذ إجراءات وتدابير دائمة، مثل رسم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وتخويل الحكومة التركية حق إقامة قواعد عسكرية على الأراضى الليبية. لكل ذلك، أستغرب كثيراً تصريح الرئيس التونسى قيس سعيد فى إحدى المقابلات التليفزيونية بأن موقف تركيا أكثر قانونية من غيرها.
لكل ما سبق، نرى أن تعلن دول الاعتدال العربى وفرنسا واليونان وقبرص وغيرها من الدول الصديقة عدم اعترافها بحكومة الوفاق المزعوم، وطرد سفير السراج من القاهرة والسعودية والإمارات والبحرين والأردن وعواصم الدول الشقيقة وتسليم السفارات الليبية فى هذه الدول للبرلمان الليبى المنتخب برئاسة المستشار عقيلة صالح وتسلم أوراق اعتماد سفراء جدد يمثلون البرلمان الليبى المنتخب. كذلك، نرى من الملائم إرسال مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بأن اتفاق الصخيرات لم يعد له وجود، وأن مدته قد انتهت منذ عدة سنوات، وبالتالى لا يجوز أن تستمر الأمم المتحدة فى الاعتراف بحكومة لم يعد لها سند من الشرعية أو القانون.
حفظ الله ليبيا الشقيقة من كل مكروه وسوء..