«الله هو الركيزة الأساسية لكل شىء، فهو سبحانه الركيزة الأساسية للتواصل بين الناس لضمان بقاء الحقيقة، فبغياب الله يتحول العالم إلى مادة صماء لا حياة فيها ولا روح».
وكان يحكى عن نفسه قائلاً «الإيمان لم يولد داخلى إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، ويستند إلى رحلة عقلية، فهو إيمان عقلى يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان».
وكان يفصل بين المشروع الإسرائيلى التوسعى والدين اليهودى واليهودية، ويرى أن المشروع الإسرائيلى مشروع استعمارى لا يمت إلى اليهودية بصلة، وكان يقول «المجتمع الإسرائيلى ليس مجتمعاً عنصرياً وحسب، لكن قوانينه أيضاًً عنصرية».
وكان يطرح دوماً فكرته فى المحافظة على هوية مجتمعاتنا التى سمّاها بالمجتمع التراحمى «الذى تقوم العلاقات بين أفراده على التراحم والتعاطف»، ضارباً المثل بنظام النقوط للعريس فى الأفراح المصرية.
ويُقرر أن المجتمع التراحمى أفضل من المجتمع التعاقدى المصلحى الذى يمثل المجتمعات الغربية التى تقوم على تبادل المصالح فقط.وكان يرى أن العلمانية الشاملة تحول العالم إلى مادة استعمالية تمثل الوجه الآخر للإمبريالية التى حوّلت آسيا وأفريقيا والأمريكتين إلى مادة استعمالية يوظفها الإنسان الغربى الأقوى لصالحه، كما أن العلمانية الشاملة قامت بتنظيم الداخل الأوروبى بشكل صارم، وفى الوقت نفسه جيّشت الجيوش وغزت العالم غزوة إمبريالية شاملة. ويرى أن «التقدم الغربى هو ثمرة نهب العالم الثالث، وأن الحداثة الغربية لا يمكن فصلها عن عملية النهب هذه». ويقول «ثمة هزيمة داخلية فى الفكر العربى تجعل من الغرب المرجعية الوحيدة ومصدر المعرفة الأوحد».
ويرى أن دعاة ما بعد الحداثة مفلسون يدعون إلى إفلاس العالم، لأنهم يريدون العالم بلا رب ولا دين ولا ضمير ولا خلق ولا قيم، ويستغرب دعوة بعض العرب للحاق بركب ما بعد الحداثة الذى يريده الغرب، وكان يستغرب كثرة حالات الاغتصاب فى الغرب، رغم الإباحة الجنسية الكاملة هناك، ويرى أن ذلك نتيجة الخلل فى الفكر الغربى. كان «المسيرى» عقلاً موسوعياً نادراً يشبه إلى حد كبير عقل جمال حمدان، فكلاهما استقال من الجامعة ليتفرغ لمشروعاته العلمية الضخمة، فـ«المسيرى» استقال من جامعة عين شمس 1990 ليتفرغ لموسوعته الفريدة «اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيرى جديد»، فهو يملك عقل مبدع، وليس عقل موظف روتينى، يدور حول ركوب العلم للوصول إلى وظيفة رفيعة، فالموظف يهتم بالكم لا الكيف. وهو كذلك يشبه د. مصطفى محمود فى الانتقال بفكره الحر من دائرة الماركسية والإلحاد إلى طريق الإيمان واليقين، ويتأمل بعقله المبدع كل شىء، لم يخضع قلبه ولا قلمه لأحد سوى مولاه الحق سبحانه وتعالى، ثم ضميره الحر.
كان أكبر من كل الإغراءات والضغوطات، تلقى 16 تهديداً جدّياً بالقتل من الوكالات الصهيونية الكبرى إن استمر فى موسوعته، لكنه واصل جهوده العلمية دون خوف ولا وجل. كان يحتفى بشعر المقاومة الفلسطينية ويعتبره نموذجاً للمقاومة الإنسانية ضد البطش الإسرائيلى. كان يقدم فلسطين كنموذج إنسانى فريد للمقاومة الفذّة التى تنبع من العقيدة والخصائص الحضارية التى لا تموت. وهو من أبرز من ترجم أشعار المقاومة الفلسطينية إلى الإنجليزية، وترجم مع ابنته د. نورة المسيرى بعض القصص الفلسطينية.
قدم «المسيرى» خطاباً إسلامياً جديداً يهتم بالمقاصد دون الغرق فى تفاصيل الفقه، ليكون صالحاً للتواصل الإنسانى العالمى، كان يربط دائماً بين الصهيونية والعنصرية، وبين كفاح الشعب الفلسطينى وشعب جنوب أفريقيا الأسود وهو يقاوم العنصرية البيضاء. كان يرى أن المثقف مكانه الشارع، وأن المثقف الذى لا يُترجم فكره إلى أفعال لا يستحق هذا الوصف، وهو صاحب شعار «المقاومة تبدأ بالمعرفة»، ويردد «ويل للمرء الذى يربح كل شىء ويخسر نفسه». ورغم كل هذا العلم والفكر والانشغال بهما كان قادراً على إشاعة البهجة والسعادة دوماً فى نفوس من حوله، وكان متواضعاً لتلاميذه ويعطيهم كل الفرص للتقدم والإبداع.
رحم الله د. المسيرى فى ذكراه التى تحل هذه الأيام.