جذور النسيج العربى - المصرى بالتأكيد أكثر عمقاً وأهمية من مهاترات «أقزام» صوَّر لهم جنون العظمة والمال أن التطاول على مصر وشعبها سيضيف إلى «أرصدتهم».. أو من تخبط دولة صغيرة مثل قطر فى مسار هو أبعد ما يكون عن تحقيق مكانة مؤثرة بين دول المنطقة. فى المقابل، حجم التحديات التى انتقلت منذ العام الماضى إلى المشهد العربى تفرض البحث عن أفضل الفرص لعقد تحالفات جديدة، خصوصاً أن موروث الانتهاكات السافرة التى ترتكبها التدخلات الخارجية، والذى استقبلت به المنطقة العام الحالى، أثبت أن تضافر كل الجهود العربية فى إطار المصالح المشتركة هو الدواء الوحيد القادر على ضخ الدماء إلى شرايين الجسد العربى المنهك. الدعم العربى للتحديات التى تواجهها مصر لم يعد رفاهية تحتمل التأجيل، ولا يقتصر على أطر التعبير عن حالة شعورية فى خطابات الاجتماعات التقليدية أو الشعارات المعلبة. المغامرات التركية فى دول مثل سوريا وليبيا تتجاوز حاجز الاستفزازات «الصبيانية» لمصر أو نهب ثروات هذه الدول.. بعدما أثبتت بالدليل والوقائع أنها ممر لضرب الأمن القومى العربى فى قلبه.. فى مصر.
التحرك العربى الدبلوماسى الذى واكب ثورة الشعب المصرى يوم 30 يونيو 2013 نموذج مثالى عكس الواقعية السياسية فى التصدى لمخططات من شأنها تهديد الأمن القومى العربى، ما استدعى تحرك الجهود المصرية فى بناء محور «اعتدال عربى» سعياً لخلق المزيد من تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة، تحديداً فيما يتعلق بالنقاط الخلافية، واكب ذلك دعوات متكررة من القيادة السياسية على أهمية تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، تفعيلاً لمعاهدة الدفاع العربى المشترك. هذه الجهود كانت تستشرف -فى رؤية بعيدة المدى- حجم المطامع الإقليمية المحيطة بالمنطقة.
قدرة مصر على إدارة ملف التحديات، سواء عبر مسارات سياسية أو أمنية، يُضفى على أهمية التضافر بعداً أكثر شمولاً فى تقييم الدعم العربى الكبير الذى تحظى به المواقف المصرية، خصوصاً أنها لا تعبر عن دوافع خاصة بقدر انطلاقها من ضرورة بناء استراتيجية أمنية عربية متكاملة مع تصاعد الانتهاكات الإقليمية الصارخة فى دول سوريا، الصومال، اليمن، العراق، ليبيا. الالتفاف حول مصر كمركز للثقل الأمنى العربى هو تعبير عن رفض عربى عام لاستباحة سيادته وحدوده من الأطماع الإقليمية، حرصاً على تجنب ضياع دول عربية أخرى.
لا يُنقِص من أهمية المواقف الرسمية العربية الداعمة لرؤية مصر الأمنية المزيد من التوسع لتشمل إعادة النظر فى القطاع الاقتصادى كالاستثمار والسياحة بين بعض دول عربية وأخرى إقليمية -تركيا وإيران- بهدف ممارسة المزيد من الضغط تحديداً مع الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تمر بها الدولتان. التحرك الدبلوماسى العربى دولياً أيضاً له تداعيات إيجابية كما حدث بعد ثورة 30 يونيو دعماً لإرادة شعب عربى ومنعاً لتفشى «وباء» تنظيم عقيدته القضاء على عروبة وسيادة دول المنطقة. القضية إذاً لا تتلخص فقط فى الانحياز إلى مصر وفق معادلة أثبتت تاريخياً أن تراجع دورها يعرّض الأمن القومى المصرى والعربى للمخاطر الكثيرة، بل حتمية موقف عربى يعزز تماسك المنطقة بعدما نخر «سوس» الفوضى والإرهاب فى عظام دول عديدة منها.
أهمية اللحظة تكمن فى صلابة الإرادة العربية التى غالباً ما سوف يتم اختبارها فى الأيام القادمة، لا سيما أمام التعنت التركى ورفضه الاعتراف بأى خطوط حمراء وإصراره على التوسع فى بسط سيطرته على كامل التراب الليبى. مصر حالياً مؤتمنة تحت ظل قيادة سياسية حكيمة وقوية.. الرئيس السيسى أثبت أنه خير من يحمل هذه الأمانة الثقيلة.