عندما تُذكر كلمة العدالة يتجه فكر الأغلبية من الناس والمتخصصين إلى نصوص القانون، لذا كلما حدثت جريمة مثيرة للمجتمع يتجه الرأى العام لمناقشة مواد القانون.. هل هى كافية أم بحاجة إلى التعديل بالتشديد.
وبالتأكيد القانون هو حجر الأساس فى العدالة.. لكن فى تقديرى، ومن واقع مراجعة خبرات دولية متعددة، لا بد لإقرار العدالة من النظر إلى أربعة مستويات:
الأول: هل يوجد قانون لمعالجة الجريمة أو الظاهرة أم لا، وهنا المثل الواضح فى جريمة التحرش الجنسى التى كانت موضع نقاش لأكثر من ١٠ سنوات، هل قانون العقوبات كافٍ أم يوجد فراغ تشريعى؟
الثانى: فى حال وجود قانون هل هو رادع كافٍ وعادل؟ وجريمة الاغتصاب نموذج واضح على وجود قانون رادع ولكن لا يُستخدم بالقدر الذى يحقق الردع.
الثالث: بيئة العدالة، وهنا المكان الذى يقدَّم فيه البلاغ فى قسم الشرطة ومسارات البلاغ والتحقيق وسماع الضحية والشهود، وما يتم من إجراءات تضمن الخصوصية، وأيضاً احترام وقت الضحايا والشهود وحمايتهم، وهنا أيضاً قانون الاغتصاب نموذج، فرغم أن العقوبة تصل للإعدام فإن الإبلاغ ضعيف جداً لتخوُّف الضحايا من عدم وجود بيئة ملائمة للتحقيق وضمانات الحماية.
الرابع: تفاعل الناس مع منظومة العدالة ومدى الاطمئنان على الوصول للحق فى أقل وقت وأعلى حماية.
وفى قضية الشاب المتهم بالتحرش بأعداد كبيرة اجتمعت كل المستويات معاً، وجود قانون رادع ومؤسسات عدالة فتحت أذرعها للضحايا، وظللنا لأربعة أيام نشجع الضحايا على الإبلاغ.
واجهنا من التردد والخوف عشرات أمثال ما قابلنا ممن لديهن استعداد للإبلاغ، وكل التطمينات حول ردع القانون كانت بلا قيمة أمام التخوفات حول خصوصية بيئة التحقيق وسرية البيانات وحماية الضحايا.
لذا يأتى مشروع القانون المقدم من وزارة العدل بسرية بيانات المجنى عليهن فى جرائم التحرش الجنسى والاعتداء الجنسى مشجعاً ومحفزاً للعديد من النساء اللاتى يتعرضن للتحرش الجنسى ولا يقمن بالإبلاغ نظراً لخوفهن من معرفة بياناتهن، سواء من قبَل الجانى أو الصحافة، الأمر الذى يهدد خصوصيتهن وأمنهن الشخصى، مما يؤدى إلى إفلات الجانى من العقاب.
وتأتى الموافقة على هذا القانون فى إطار الاستجابة السريعة بتوفير بيئة مناسبة للإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، وما تتسم به من حساسية اجتماعية، وضرورة سرية البيانات وتوفير أماكن للتحقيق تتمتع بأعلى درجات الخصوصية للفتيات وللنساء فى قضايا الاعتداءات الجنسية على وجه الخصوص، حتى تستطيع النساء مقاومة خوفهن والتوجه بالإبلاغ فى حال تعرضن لأى انتهاك جنسى. مما يدل على إدراك للحكومة مدى أهمية الحفاظ على خصوصية المبلغين، وهو تطور هام فى القضاء على كل العقبات التى تقابل النساء والفتيات فى الإبلاغ عن تعرضهن لانتهاكات جنسية.