استكملت مصر منظومة الديمقراطية بالموافقة على تحديد موعد قريب لانتخاب مجلس الشورى نصف أعضائه بالانتخاب بالنظام الفردى والقائمة من الحزب الواحد أو تحالف أكثر من حزب.
أرجو أن تهتم الأحزاب بالاختيار الجيد لتحقيق أهداف مجلس الشورى وهو مجلس الحكماء ذوى الخبرة السياسية والمهنية والعلمية، ليكون الجناح السياسى المكمل والداعم لنشاط مجلس الشعب صاحب السلطة التشريعية والرقابية لنظام الحكم.
ولقد بدأ مجلس النواب نشاطه ببطء أثار الكثير من التعليقات ولكنه فى الفترة الأخيرة شمّر عن ساعد الجد وحصل رئيسه على الخبرة القانونية والتشريعية، ما ساعد الحكومة على الانطلاق فى جميع مناحى التنمية وظهر فى المجلس نجوم تحمل المسئولية بكل الجهد والإخلاص وأنا على يقين أن مجلس الشورى لن يقل فى أدائه عن المستوى الذى يتوقعه الوطن.
ولى بعض الملاحظات أذكرها بناءً على خبرة طويلة فى العمل التشريعى (عضواً لمجلس الشعب بالانتخاب على مدى سبع دورات متتالية 31 عاماً) توالى فيها عدد من الرؤساء على مجلس الشورى أطولها فترة المغفور له الدكتور مصطفى كمال حلمى، هذا الرجل الوطنى الشريف والحكيم، وأصدر فيها مجلس الشورى عدة مجلدات عن نشاطه مدى سنوات درس فيها العديد من المشاكل المتنوعة فى مجال الخدمات والتنمية والرقابية.
وكان العمل يتم بسلاسة وبدون تقصير أو تعويق للنشاط التشريعى، حيث إن مجلس الشورى عليه أن يناقش ويبدى الرأى فى التشريعات التى تحول إليه وهى التى تكمل الدستور أو التى يحيلها السيد رئيس الجمهورية على المجلس لإبداء الرأى.
دعيت عدة مرات للحديث أمام مجلس الشورى لإبداء الرأى فى بعض المشاكل الصحية والبيئية، ولى تجربة فريدة مع مجلس الشورى وذلك عندما كان مجلس الشعب يناقش موضوع نقل الأعضاء من حديثى الوفاة إلى الأحياء وكذلك نقل القرنية من المتوفى حديثاً الذى يعتبر الوفيات فى المستشفيات التعليمية موافقة مفترضة، خصوصاً أنه لا توجد مشاكل تحديد موعد الوفاة والذى يتم خلال اثنتى عشرة ساعة من توقف القلب والدورة الدموية وكذلك لا يتسبب عن هذه الجراحة البسيطة أى تشوه لجسم المتوفى، وهناك حاجة شديدة لهذه الجراحة التى تكشف البصر من عشرات الألوف من فاقدى البصر بسبب عتامة القرنية واضطرار الدولة لاستيراد قرنيات من بلاد قد لا يتوافر فيها الضوابط الصحية والخلو من الأمراض، فضلاً عن أن القرنية المأخوذة من المتوفين المصريين لا تكلف أكثر من 150 جنيهاً، بينما القرنية المستوردة قد تصل إلى خمسة عشر ألف دولار.
ولقد بذلت جهداً كبيراً فى أخذ موافقة الجهات القضائية ومجلس البحوث الإسلامية وعندما طالب بعض الأعضاء بعرض مشروع القانون على مجلس الشورى، أجاب السيد رئيس مجلس الشعب، الأستاذ الكبير الدكتور فتحى سرور أن هذا القانون يخص المتوفى ولا يحتاج العرض على مجلس الشورى.
وفى اليوم المشهود لأخذ الموافقة فى مجلس الشعب، أجل رئيس المجلس الموافقة لثانى يوم نظراً لضيق وقت المجلس فى نفس يوم انتهاء المناقشة وكان الواضح أن الاتجاه هو اقتناع المجلس بأولوية هذا المشروع الإنسانى، الذى يعيد البصر لآلاف من المصريين ولكن إحدى عضوات المجلس، سامحها الله، سارعت بالاتصال برئاسة الجمهورية واستصدرت قراراً من السيد الرئيس بعرض المشروع على مجلس الشورى استعمالاً لحق الرئيس فى عرض ما يشاء من مشروعات القوانين أو القضايا العامة على مجلس الشورى وذهب القانون إلى ثلاجة مجلس الشورى وبقى عامين كاملين وكنت أذكّر مجلس الشعب فى كل مناسبة أن تأخر مجلس الشورى أكثر من شهرين فى الرد على مشروعات القوانين المحولة له يعتبر أنه موافق وليس لديه أى اقتراحات بالتعديل ولكن مجلس الشعب أيضاً تجاهل هذا الطلب وأغضب مجلس الشورى التصريح المنسوب لى بأن القانون دخل إلى الثلاجة ويبدو أنه أخذ بالضد واستمر فى تجاهل الحاجة إلى هذا القانون الأخلاقى والإنسانى والتكافلى.
شكراً جزيلاً للسيد الأستاذ الدكتور محمد عوض تاج الدين، وزير الصحة الأسبق، الذى عين عضواً فى مجلس الشورى وله من التقدير والاحترام ما جعل صوته يجلجل تحت قبة مجلس الشورى وبصفته وزيراً سابقاً للصحة يعلم حجم المشكلة ووافق أخيراً مجلس الشورى على مشروع القانون.
نفس تسلسل الأحداث مع مشروع قانون نقل الأعضاء الذى أخذ عدة سنوات فى المناقشة وأجمع مجلس البحوث الإسلامية بقيادة الإمام الأكبر المرحوم محمد السيد طنطاوى وهو ممثل عن العديد من البلاد الإسلامية ومعظمها لديها قانون لنقل الأعضاء وحصلت على موافقة وقام بعض الزملاء، سامحهم الله، بإثارة ضوضاء ومحاذير تم الرد عليها من قيادات العمل الصحى والاجتماعى ومع ذلك تعثر لفترة طويلة فى مجلس الشورى.
لا أريد الإطالة ولكنى ضربت هذين المثلين لأعبر عن أملى فى أن يُحسن اختيار الأعضاء المنتخبين وأنا على ثقة بأن قائمة المعينين تخضع لقواعد وطنية تحددها الجهات الرسمية المسئولة عن الاختيار، وعلى رأسها هذا الوطنى العظيم صاحب الإنجاز وراعى مستقبل الوطن أمد الله فى عمره ومنحه الصحة ودوام التوفيق.