مدن عراقية عديدة تشهد مظاهرات حاشدة تطالب بتوفير الطاقة الكهربائية داخل المنازل. المظاهرات بدأت فى ساحة التحرير ببغداد، وعومل المتظاهرون بدرجة عنف واضحة من جانب القوى الأمنية، وكانت النتيجة امتدادها إلى مدن عراقية أخرى مثل النجف وكربلاء، وزيادة حجمها بصورة أعجزت الحكومة عن السيطرة عليها.
منذ فترة طويلة يشهد العراق مظاهرات متواصلة تطالب بتحسين مستوى الخدمات ومواجهة حالة التردى فى مرافق الدولة بصورة غير محتملة. يكفى أن نشير إلى التردى فى مرفق الكهرباء، والانقطاع المتواصل للتيار، فى وقت ترتفع فيه درجة الحرارة بعدد من المدن لتتجاوز 50 درجة مئوية. إنه الجحيم بعينه!.
حكومة «مصطفى الكاظمى» تبدو عاجزة أمام الأزمة. فمع انخفاض أسعار البترول والتداعيات الاقتصادية الأخرى المترتبة على انتشار فيروس كورونا انخفصت مدخولات البترول بنسبة تقترب من 75% على وجه التقريب، مما أعجز الحكومة عن مواجهة المشكلات التى تضرب المرافق العامة، وتوفير فرص عمل لمن تسبب فيروس كورونا فى قطع أرزاقهم. ومع دخول فصل الصيف أصبح الوضع لا يطاق داخل البيوت بسبب انقطاع الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة، فما كان من الناس إلا أن خرجوا إلى الشوارع يطالبون بحقهم فى الحياة، ويهتفون ضد الأداء الردىء للحكومة.
الحكومات مثل الآباء. فالأب الذى يشعر بالعجز عن تلبية احتياجات أولاده أحياناً ما يندفع إلى ضربهم وتكسير عظامهم، وذلك ما فعلته حكومة الكاظمى بالضبط مع المتظاهرين فأطلقت عليهم الرصاص. المسألة لم تقف عند حد القمع العنيف لمن يعلو صوته بالمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية المتردية. فثمة ظاهرة أخرى تشيع فى بعض المدن العراقية هى ظاهرة الاختطافات والاغتيالات، وتمثل هذه الظاهرة لغزاً من الألغاز الكبرى فى العراق. فلا أحد يعرف من يقف وراءها، ومن يحركها، ومن يحدد ضحاياها. فى ظل هذه الأوضاع لك أن تتصور حجم المعاناة التى توجع قلوب العراقيين.
الوجع فى العراق لا يفرق بين سنى وشيعى. فقد تفرق شعبها فى الدروب المذهبية والسياسية، ليجتمعوا فى طريق المعاناة الناتجة عن تردى الأحوال المعيشية. فكما ثارت بغداد التى يختلط فيها السنة مع الشيعة، ويرجح البعض أن عدد السنة فيها هو الأكبر، ثارت المدن الشيعية الكبرى مثل كربلاء والنجف، مما يدلل على أن الشعوب قد تتوزع أهواؤها السياسية والمذهبية، لكن المعاناة المعيشية عادة ما تجمعهم فى طريق واحد. ولعل ذلك هو التحدى الأكبر الذى يواجه «الكاظمى» فى العراق.
العراق ذلك القطر الثرى بمدخولاته النفطية انضم إلى قائمة الدول التى أهلكلها الفساد وسرقة أموال الشعب. فخلال السنوات التى أعقبت الغزو الأمريكى لأراضيه تم نهب مئات المليارات من الدولارات من مدخولات الدولة فى عمليات مشتركة بين المستعمر والوكلاء المحليين، وبمرور الوقت اضطرت الحكومات المتلاحقة إلى الاقتراض من الخارج حتى وصلت الديون مؤخراً إلى ما يقرب من 132 مليار دولار، وكانت النتيجة عزوف الدول والمؤسسات الدولية عن منح حكومة بغداد قروضاً جديدة. والآن يقف الشعب فى العراء.