نظرة سريعة للمارة فى الطريق المؤدى إلى عملى صباحاً تجعلنى أرفع حاجبى اندهاشاً.. وأشعر بالقلق يعترينى بشكل كبير..!
الجميع قد نزع الكمامات دون أن ينتظر ما يجعله واثقاً فى هذا الفعل.. لم يعد أحد يهتم بالتباعد أو الحرص على وجود مسافة بينه وبين الآخرين.. لقد افتقد العالم رائحة الأنفاس والتلاحم الذى يمارسه البعض فى وسائل المواصلات والمصالح العامة.. يبدو أنهم قد قرروا ممارسته مرة أخرى بكل ما يمتلكون من قوة لتعويض ما فاتهم!!
لقد توقف الناس عن الحديث عن كوفيد.. وعاد الجميع لممارسة الحياة بشكل طبيعى، دون أن يحاولوا أن يتذكروا كيف كان الحال خلال الأشهر الماضية.. ودون أن يدركوا ما يحذر منه البعض والذى يطلقون عليه «الهجمة المرتدة» لكوفيد.. أو تلك «الموجة الأخرى» من الوباء التى ستجتاح العالم مرة أخرى بحلول الخريف المقبل..!
الطريف أن الحديث عن تلك الهجمة المرتدة ليس بجديد.. فالأمر يعود لبداية انتشار المرض وبداية التوقعات حول انحساره فى منتصف الصيف.. وقتها ظهر فريق من علماء الوبائيات يحذر من أن الفيروسات لا تنتهى.. وأنها تأتى لتبقى.. مع توقعات بعودة الموجة بقسوة فى الخريف القادم..!
لا يخطئ العلماء كثيراً.. فتوقعاتهم وقراراتهم تستند إلى معطيات تؤدى حتماً إلى ما يعلنون عنه من نتائج.. فها هى الموجة الجديدة تعود.. ألمانيا تصعد مرة أخرى إلى الأرقام الرباعية بعد أن كانت قد هبطت إلى الأرقام الثلاثية «الآلاف بدلاً عن المئات».. كذلك فرنسا، إسبانيا، شرق أوروبا.. المشكلة أن الصيف ما زال فى منتصفه.. فكيف سيكون الحال فى الشتاء إذن؟!
قبل أسبوعين قال باحثون إنجليز إن البيانات التى فى حوزتهم لم تفدهم بعد تحليلها فى استخلاص إجابة شافية حول سؤال ما إذا كان لهذا الفيروس طبيعة موسمية تتأثر بتغير الفصول من عدمه!!
الصورة كلها تشى بأننا سنتعايش مع ذلك الفيروس اللعين فترة طويلة.. مما يعيد للأذهان كل من صرح بأن إيقاف الحياة والاقتصاد وقت ظهوره كان فكرة مدمرة.. الحديث هذه المرة كئيب للغاية.. لا أحد يحتمل فكرة أن يعود الأمر مرة أخرى لما كان عليه منذ أشهر قليلة.. الحديث عن اللقاح فى تلك اللحظات ربما يجعل الأمر أكثر لطفاً.. لم يعد أحد يهتم بأخبار اللقاحات كما كان الحال منذ أسابيع قليلة مضت.. ولكن الاهتمام سيعود سريعاً حين يستوعب الناس أن الحالات تزداد مرة أخرى..!
هناك أخبار مبشرة من أرض الإنجليز.. فلقاح إكسفورد يسير بخطى ثابتة.. توجد خطة معلنة لشركة استرا زينيكا المنتجة لذلك اللقاح تؤمن خروج أكثر من ٢ مليار جرعة للنور.. كما تمتلك الشركة خطة للتوزيع العادل للجرعات بين دول العالم.. المدير التنفيذى للشركة بمصر أكد أن مصر ستكون من الدول التى ستحصل على جرعات من ذلك اللقاح فى أقرب فرصة..!
التوازن بين الخوف من الفيروس وممارسة الحياة بشكل طبيعى هو ما ينبغى على الجميع أن يمارسه فى الفترة المقبلة.. وما ينبغى على الإعلام أن يصر عليه ويروج له.. فلن نحتمل أن نكرر ما مررنا به من قبل..!
الاسترخاء الذى يمارسه العالم لن يلبث أن يزول سريعاً.. والحل الوحيد سيكون فى الحذر واتخاذ الإجراءات الاحترازية بشكل منتظم.. حتى تزول الغمة التى حلت بالعالم.. أو يمل الفيروس من عمله ويرحل غير مأسوف عليه.. أو هكذا نتمنى..!