لكل سؤال جواب، ومن المعتاد والمتعارف عليه والعادات والتقاليد والأصول والمنطق وفلسفة الحياة والدبلوماسية وقواعد العشق والهوى ومبادئ التنمية البشرية وأنماط القصص والحكايات التاريخية والشعبية والوطنية أن الإجابة مطلوبة وتعتبر نوعاً من الاحترام ورُقى الأخلاق وضرورية وتقرّب المسافات بين البشر وتفتح القلوب وترحّب بالأصدقاء والأهل والأحبة، وقد تقضى على خلافات عمرها سنوات وسنوات، وتصلح بين عائلات وقبائل كاد الصمت والتجاهل أن يدمرها ويضيع الكثيرين منها ويزيد الهوة والجفاء، وإذا كان لا بد منها فإن هناك أساليب كثيرة ومختلفة لها، ولا ينجح الجميع فى الرد على ما يوجه إليه من أسئلة أو على الأقل الرد بطريقة ودودة ذكية دبلوماسية شارحة، مفسرة موضحة مقربة مرحبة.
ولعل من أقرب الأمثلة على الأسئلة وإجاباتها الامتحانات التى نقضى حياتنا منذ طفولتنا، مروراً بشبابنا ونضجنا ونحن ننتقل من درجة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر وتخضع جميع تحركاتنا وقراراتنا وصعودنا أو هبوطنا وزيادة رواتبنا أو خفضها وعلاواتنا عليها وعلى النجاح فيها، حتى إن ثقافتنا المصرية أنتجت لنا كتباً فى جميع التخصّصات تحمل عنوان سؤال وجواب أو أهم الأسئلة أو نماذج مثالية للامتحانات، وكأنه قدر لنا ومصير مؤكد المرور من كل تلك الحلقات حتى آخر العمر.
وفى المؤتمرات الصحفية نشاهد ترجمة دقيقة شارحة بكل المعانى لما نتحدث عنه، ففى تلك اللقاءات تلمع نجوم وتنطلق وتحلق فى السماء، ويُكتب لها النجاح وتختفى أخرى تماماً بعد صمتها أو فشلها فى السؤال أو الرد عليه أو حتى التعبير عن الإجابة بملامح وجهها أو ابتسامتها أو نظراتها أو حتى لفتة منها أو إشارة بيدها فكل هذه إجابات.
ومن أجمل ما تتضمّنه علاقاتنا بجميع أنواعها أن (تسأل عليه) بالشدة على الياء، لأن السؤال على قلة المجهود المبذول فيه له معانٍ عميقة وآثار إيجابية تُنعش النفوس والقلوب والملامح ومعه تزدهر العلاقات وتنمو وتعمر وتصبح من العلامات المميّزة فى حياة كل منا، ولعل لكل منا ذكرى يحتفظ بها داخله وسؤال ينتظره فى أى وقت ويبتسم عند سماعه، ويضج قلبه بالسعادة عندما يلمح صاحبه أو يسمع صوته، وقد يغير ذلك السؤال وصاحبه مسار حياته ويذهب به إلى قارة أخرى وبلد جديد ومنزل وحياة تكون هى الإجابة عن ذلك السؤال. وكم من إبداعات عالمية عاشت وأمتعتنا ودام الإعجاب بها عقوداً وعقوداً بدأت بسؤال واستفسار وبحث مطول وعميق عن الإجابة والمعنى والمغزى الذى يُنتجها ويكون هو الملهم لها، وعلى نفس الطريق تخرج لنا أبحاث ورسائل علمية ودراسات تنتشر فى العالم كله وتستفيد منها البشرية وجميعها تبدأ بالسؤال.
وقد قال يوسف زيدان فى أحد كتاباته (السؤال هو الإنسان) أما ألبرت أينشتاين فله جملة شهيرة (أهم شىء هو ألا تتوقف عن السؤال)، بينما يعرف ألبير كامى (اللباقة بأنها طريقة الحصول على إجابة بنعم دون طرح سؤال واضح)، ويؤكد فولتير (لا بد أنه فى غاية الجهل، فهو يجيب عن كل سؤال يُطرح عليه). ومن أقوال نزار قبانى (كن سؤالاً فى فمى لا يعرف الجواب) أما أنا فأقول لكم أحبتى (اسأل عليه) بالشدة على الياء..