«وما كانَ لنفسٍ أن تموتَ إلا بإذنِ الله».. صدق الله العظيم.. تعجبت كثيراً من مسألة «تفسير الوفاة بالحسد» التى لجأ إليها البعض عند تناول واقعة وفاة اليوتيوبر «مصطفى حفناوى» (25 عاماً)، ووفاة طالب الثانوية العامة خالد أحمد مبروك الحاصل على مجموع 99% هذا العام فى حادثة.. رحم الله تعالى الفقيدين وتقبلهما فى الصالحين.
وأجد من المناسب أن أعيد نشر هذا المقال الذى كتبته منذ عدة شهور عن مدلول الحسد فى القرآن الكريم.
«كثيرون يخافون الحسد وآثار الحسد، ويوقنون أن هناك أشخاصاً «حسوديين» بطبعهم، وأن عيونهم تفلق الحجر والبشر، ويلجأ أغلب هؤلاء إلى التقليل من مكتسباتهم أو تحقيقاتهم أو مكتسبات وتحقيقات أبنائهم عندما يتحدثون عنها أمام الآخرين خوفاً من «العين».
ويفضّل المواطن المصرى أن تكون الشكوى لسان حاله، مهما بدت نعم الله عليه، فذلك هو الأضمن والأصون له من عيون الحساد. ولا خلاف على ما لهذا السلوك من أثر فى إشاعة جو من الإحباط والتشاؤم لدى الفرد والجماعة.
ويعتمد المصرى على عدة أدوات لدفع الحسد، منها على سبيل المثال قراءة السورة الكريمة: «قل أعوذ برب الفلق»، وتكرار آية «ومن شر حاسد إذا حسد» أكثر من مرة، وهو أمر لا بأس به، لكن المزعج هو بعض الممارسات الأخرى العجيبة التى يأتيها البعض دفعاً للحسد، وهو يعلم أن كل شىء بإذن الله، بدءاً من لحظة الميلاد وحتى لحظة الوفاة.
العادات المصرية العجيبة فى مواجهة الحسد، والاستناد إليه فى تفسير بعض أحداث الحياة يكشفان عن عدم إدراك الكثيرين للمعنى الحقيقى للحسد، وهو معنى مختلف كل الاختلاف عما يشيع فى رأس الناس من دلالات وفهوم لهذه المسألة.
للشيخ الإمام محمد عبده تحديداً غاية فى الذكاء لمفهوم الحسد فى القرآن، فهو لا يراه مرتبطاً بعين سحرية أو مشعّة قادرة على فلق البشر والحجر، بل يتعلق بسعى شخص واجتهاده فى إيذاء غيره بأعمال دنيوية حتى يفقد نعماً معينة يحسده عليها. ذلك هو معنى الحسد فى القرآن: سعى للنيل من الآخر ليس أكثر.
تشبث بعض المصريين بالمعنى الركيك الذى يسكن أدمغتهم حول الحسد يعكس رغبة أساسية فى البحث عن تفسير لفشل، ربما كانت أسبابه واضحة بينة لصاحبها لو نظر فى نفسه أو نظر حوله، أو اللجوء إليه كتفسير لأحداث موجعة، مثل وفاة شاب أو صبى، رغم اليقين بأن كل شىء فى هذه الحياة يجرى بقدر الله وأمره.
المخجل فى أمر الحسد والأحاديث المستفيضة عنه هو محاولة البعض الاحتجاج بأن القرآن الكريم تحدث عن الحسد، وقد جاء ذكره فى القرآن الكريم بالفعل، ولكن ليس بالمعنى الدارج الذى يراه البعض، بل بالمعنى العقلانى الذى حدده الشيخ محمد عبده.
وعلى من يتمسك بالفهم التقليدى للحسد أن يتذكر قول الله تعالى: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون».. نعم الحسد مذكور فى القرآن، لكن ليس بالمعنى السائد بين المصريين.. رحم الله الشابين الفقيدين وأفرغ جميل صبره على قلوب محبيهما.