أى استهانة بعقول الناس تلك التى يتحدث بها عدد من رموز الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية عن الشباب الغاضب الذى يطوق السفارة الأمريكية بسبب الفيلم المسىء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إنهم يدعون الشباب إلى التعقل والحكمة، وعدم الاستمرار فى قذف السفارة ومن يحمى السفارة بالحجارة، ويرددون أن هذه المشاهد تسىء إلى الإسلام وإلى صورة الإسلام أمام الرأى العام العالمى!. وإذا أردت أن تعلم حجم المفارقة فى هذا الكلام، فما عليك إلا أن تسرح بخيالك وتعود إلى الوراء سنتين فقط وتتخيل أن هذا الفيلم المسىء للنبى عُرِض عام 2010، هل كنت تتوقع أن تسمع من المخلوع وحكومته كلاماً يختلف عن كلام الشاطر والبلتاجى والبرنس وبرهامى؟!.
أما وجه العجب فى هذا الموقف من جانب الإسلاميين على تعدد أطيافهم فيرتبط بسنين طويلة دأب فيها الإخوان والسلفيون على تعليم الناس أن «الرسول قدوتنا» و«الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» و«فداك أبى وأمى يا رسول الله»، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه التى بين جنبيه. وقد صدقهم هذا الشباب الغاضب الذى تربى على هذه المعانى سنين طويلة، وعندما وجد الأمريكيين يسمحون بعرض فيلم يسىء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ثائراً غاضباً، فى الوقت الذى بادر فيه من علمهم ضرورة أن يكون رد فعلهم على هذا النحو حال الإساءة إلى النبى، إلى محاولة صب الماء على النار المشتعلة فى صدورهم!.
قد يقول قائل إن الإسلاميين يتعاملون بمنطق العقل الذى يدعونا إلى التمهل فى رد الفعل، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن لنا مصالح معها، كما أنها المحرك الأول لمصالحنا مع الكثير من دول العالم. يكفى أن يشار فى هذا السياق إلى أننا نستورد منها القمح، وهو سر «عيش» المصريين كما نعلم. قد يكون هذا الكلام معقولاً من وجهة نظر البعض، ولكن لنا أن نسأل أين ما كان الإخوان يقنعون به الناس من أن «الإسلام هو الحل»، وهل أصبح ذكرى أمام الشعار الجديد: «أمريكا هى الحل»!. بأى وجه يعتب الإخوانيون والسلفيون على الغاضبين والغاضبات وهم الذين ظلوا عقوداً طويلة يقولون إن من ابتغى العزة لدى أمريكا أو غيرها فهو ضال مضل، وأن العزة لله ورسوله والمؤمنين. لا أرى سوى حل واحد يحمى الإخوان والسلفيين من توابع هذا المأزق والمآزق الأخرى الشبيهة المتوقع أن يواجهونها فى المستقبل، وهو أن يأخذوها من «قصيرها» ويقولوا للناس: كلام «المعارضة» مدهون بالزبدة يطلع عليها نهار «الحكم» تسيح!.