"ديب السوري" صانع الأحذية الأصم.. كسر صمت الإشارة بإجادة 3 لغات
فقد سمعه في الخامسة من عمره بعد إصابته بالحمى
ديب أمام محله لصناعة الجلود
جدران محل صغير بهت لون طلائها من أثر الزمن، بين جنباتها أكوام من الأحذية والشنط الجلدية المصنوعة بعناية وحرفة، مطرزة بأيدي عجوز ماهر احترف مهنته وأفنى بها عمره، يجلس على مقعد صغير يستقبل زبائنه غارقًا بين الأكوام منهمكًا في عمله، الصدفة وحدها تقود زائريه إلى اكتشاف حقيقة أنه أصم، عالمه صامت ولكن لسانه منطلق بلغات ثلاث أجادها خلال شبابه حتى أدهش من حوله بإصراره وعزيمته.
من بين عشرات المحال التجارية المتلاصقة بحي القيمرية التاريخي بالعاصمة السورية دمشق، يقع اختيار السوريون والأجانب الوافدين للمكان التاريخي على بضاعة العجوز السوري ديب بلح، مهنة ورثها من أجداده، تشربها وأبدع فيها،"صناعة الجلود هي جزء من روحي وعمري كله قضيته فيها"، يقول في بداية حديثه لـ"الوطن" عن قصة نجاحه التي شاركته بها زوجته تزامنا مع اليوم العالمي للغة الإشارة الموافق 23 من سبتمبر كل عام.
في الخامسة من عمره فقد "ديب" سمعه بعد إصابته بالحمى، العقبة باتت كدرجة سُلم ارتفع بها الطفل في دراسته، أرسلته أسرته إلى بيروت خلال المرحلة الابتدائية للتعلم بأحد المدارس التابعة للفاتيكان، استمر بالدراسة خارج سوريا لمدة 15 سنة ومن بعد بيروت استكمل دراسته بالنرويج التي كانت بوابته لإتقان اللغات الأجنبية رغم إصابته بالصمم، بحسب وصف وسام، أحد أبناءه الخمس.
لغات ثلاث أتقنها ديب في فترة المراهقة" الإنجليزية والفرنسية والفارسية"، وأنهى مسيرته التعليمية بالحصول على شهادة دراسة الأدب الإنجليزي، وخلال دراسته ببيروت وقبل انتقاله إلى أوروبا التقى شريكة حياته ذات الأصول اللبنانية، فاطمئنت بها روحه وسكن إليها بعد عناء سنوات طوال.
حصل على شهادة بإجادة قراءة حركة الشفاة ودرس الأدب باللغة الإنجليزية
لغة آخرى موثقة بشهادة انضمت إلى أدراج خزانة البائع السوري الأصم بعد إتقانها، وهي القراءة بلغة الشفاة، أجاد قراءة حركات الشفاة لمن يتحدث إليه فبات الأمر سهلًا، عاد إلى سوريا وبدأ حياته الزوجية، مسؤولية جديدة وتجربة مختلفة عما سبق، الأمر يتطلب رعاية أطفال وتربيتهم،"أنا وإخواتي اتعلمنا لغة الإشارة قبل تعلم النطق"، وبحسب رواية الابن وسام، ساعد والديه على تربيتهم سكنهم في بيت عائلة فأجادوا الإشارة والحديث بسهولة.
مناصب عدة تدرج بها البائع السوري الشهير بـ"ديبو" بين أصحاب المحلات المجاورة في حي القيمرية الدمشقي، انضم لجمعية الصم السورية وأصبح مدرسًا للغة الإشارة، وبات عضوًا بالاتحاد الدولي للصم في سوريا.
ظل حب مهنته الأم متعلقًا بصدره حتى ترك كل هذا وتخصص في صناعة المنتجات الجلدية قبل ثلاثون عامًا، افتتح محل ورثه عن جده وأعاد صخب الحياة إليه من جديد، يجلس ساعات طوال في حياكة المنتجات الجلدية اليدوية، مستمتعًا بما يصنعه في مهنة كادت أن تندثر في بلاد الشام.
رغم كونه أصم لم يفقد العجوز الستيني نطقه، وإن تأثرت مخارج الحروف قليلًا، يجيد التعامل مع غالبية الجنسيات الأوروبية والأسيوية والأمريكية بات بارعا في التعامل مع الجميع دون تردد، "الحمدلله بقيت جزء من الحي التاريخي وصار لي زباين من بلاد كتير وقت ما كانت السياحة قوية بدمشق"، بحسب وصف البائع الدمشقي خلال حديثه لـ"الوطن" كتابة عبر تطبيق"واتساب".