فقد العالم العربى والإسلامى وفقدت الجامعات المصرية وجامعة الإسكندرية ركناً من أركان العلم والوسطية ومحاربة الفكر المنحرف وبناء الفكر الإسلامى المقاصدى، هو المفكر والعالم والفقيه الجليل الأستاذ الدكتور محمد كمال إمام، أستاذ ورئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، وصاحب السمت الهادئ والخلق الرفيع، والأريحيات المتعددة، الذى وافته المنية يوم الخميس الموافق الثامن من أكتوبر 2020م.
ولد الدكتور محمد كمال إمام فى مدينة إسنا بقنا فى 2 أبريل 1946م، وحصل على ليسانس الحقوق 1969 من جامعة الإسكندرية، والدكتوراه فى الحقوق 1982، وعمل رئيساً لقسم الشريعة بجامعة المنيا، وساهم فى إعداد العديد من مشروعات القوانين، كما عمل فى الإذاعة المصرية إلى أن وصل إلى منصب كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم ومدير للتنفيذ بها، كما أنجز العديد من الموسوعات الفقهية الكبرى، وعمل مديراً لتحرير مجلة (المسلم المعاصر) على مدى 20 عاماً، وشارك فى مؤتمر القمة العالمى لحوار الأديان فى نيويورك.
وطوال حياته حظى الراحل الكبير بحب وتقدير من جميع الأوساط العلمية الأزهرية وغير الأزهرية والمفكرين والباحثين وطلبة الماجستير والدكتوراه، فقد كان كريماً لا يبخل على طلابه بالعلم والنصيحة، ويستجيب إذا دُعى إلى المحافل العلمية والندوات والمؤتمرات المتعددة.
وكان رحمه الله صاحب اطلاع واسع فى علوم الشريعة والأدب والشعر والفكر السياسى، وصاحب عمل إذاعى امتد عدة سنوات، وله مكتبة عامرة حافلة بالنفائس الدالة على عشقه للكتاب وتنقيبه عن نوادر الكتب، مع حب عظيم للأزهر الشريف ومنهجه العلمى، مع وطنية كاملة وتوقير عظيم واعتزاز دائم لقيمة مصر ومكانتها وتاريخها العريق المشرف.
والراحل الكبير له جهود عميقة لمحاربة الأفكار المنحرفة وتفكيكها، محاربة من العمق والأصول والمنابع والأسس، لا من السطح، ومن جهوده هذه أنه كان ينوى كتابة تقريظ لكتاب (الحق المبين)، وأشاد بالكتاب، وأظهر ما فيه من دقة وعلم، وكتاب (الحق المبين) مؤلفه هو العالم الأزهرى الدكتور أسامة الأزهرى، وفيه تفكيك لمجموعة الأطروحات والتصورات والأفكار التى قامت عليها تيارات الإسلام السياسى.
إن الأستاذ الدكتور محمد كمال إمام لم يدخر جهداً علمياً فى خدمة الإسلام والمسلمين، وترك إرثاً كبيراً لا يُنكر فى مجال الفقه الإسلامى، ومن ثم يجب على جامعة الإسكندرية وعلى الأزهر الشريف إقامة احتفالية تليق بما قدمه الفقيد، الذى كان واحداً من أبرز علماء الشريعة الإسلامية فى عصرنا الحاضر، وستظل كتبه ومؤلفاته وعطاؤه العلمى، خاصة ما قدمه فى مجال مقاصد الشريعة الإسلامية، مقصداً وقبلة لكل دارس للفكر وعلوم الشريعة، ولكل من يريد أن يفهم الإسلام فهماً مقاصدياً واسعاً، بعيداً عن الفهم المنغلق الضيق المتصادم مع الإنسان والأكوان والواقع.
ولقد كان من الطبيعى أن نعى الفقيد يأتى من الأوساط العلمية المختلفة؛ فنعاه شيخ الأزهر، ومفتى الجمهورية، ووزير الأوقاف، والمستشار الدينى لرئيس الجمهورية، والمجامع العلمية المختلفة، بل قال فضيلة مفتى الجمهورية فى بيانه: «إن الفقيد أثرى الفكر الإسلامى بالعديد من الموسوعات الفقهية والمصنفات المهمة والمعتبرة، وإنه قدَّم خدمات علمية جليلة لدار الإفتاء المصرية على مدى العقود الماضية».
رحم الله العالم الجليل خبير علم المقاصد وأحد العلماء البارزين وأسكنه فسيح جناته.